من أعمق القضايا التي ناقشها القرآن الكريم والحديث الشريف هي قضية "آدم عليه السلام والشيطان"، وما ترتب عليها من هبوطه إلى الأرض وتشريع التوبة للإنسان. ويظهر من خلال الروايات التي تعرض تفاصيل الحوار بين آدم وعدد من الأنبياء، مثل موسى عليه السلام، حيث دار النقاش حول المعصية التي صدرت من آدم وأثرها على ذريته. هذه النصوص تكشف جوانب عقدية وإنسانية عميقة، منها: تسلط الشيطان على الإنسان، غلبة الغفلة على العقل، والرحمة الإلهية المتمثلة في فتح باب التوبة. في هذا المقال نستعرض رواية تفسير العياشي التي تنقل لنا حوارًا بين موسى وآدم، وما دار فيها.......

نص الرواية:

جاء في "تفسير العياشي":

عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله: أن موسى سأل ربه أن يجمع بينه وبين أبيه آدم حين عُرج إلى السماء في أمر الصلاة، ففعل. فقال له موسى: يا آدم، أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأباح لك جنته، وأسكنك جواره، وكلمك قُبُلا، ثم نهاك عن شجرة واحدة فلم تصبر عنها حتى أُهبطت إلى الأرض بسببها، فلم تستطع أن تضبط نفسك عنها حتى أغراك إبليس فأطعته؟ فأنت الذي أخرجتنا من الجنة بمعصيتك؟

فقال له آدم: ارفق بأبيك يا بني، إنني لقيت محنة عظيمة في أمر هذه الشجرة، إن عدوي أتاني من وجه المكر والخديعة، فحلف لي بالله أنه في مشورته عليّ لمن الناصحين. فقال لي مستنصحًا: إني لشأنك يا آدم لمغموم. قلت: وكيف؟ قال: قد كنت آنست بك وبقربك مني، وأنت تخرج مما أنت فيه إلى ما ستكرهه. فقلت له: وما الحيلة؟ فقال: إن الحيلة هو ذا هو معك، أفلا أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟ فكلا منها أنت وزوجك، فتصيرا معي في الجنة أبدًا من الخالدين.

وحلف لي بالله كاذبًا أنه لمن الناصحين، ولم أظن يا موسى أن أحدًا يحلف بالله كاذبًا، فوثقت بيمينه، فهذا عذري. فأخبرني يا بني، هل تجد فيما أنزل الله إليك أن خطيئتي كائنة من قبل أن أُخلق؟ قال له موسى: بدهر طويل. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فحَجَّ آدم موسى. قال ذلك ثلاثًا.

"(تفسير العياشي، الجزء الثاني، ص 10)"

وقالت الشيعة إن هناك دروس من هذه الرواية:

"إقرار آدم بالذنب":

 الرواية تصرّح بأن أكل الشجرة كان معصية، وكان سببًا في هبوطه إلى الأرض.

 

"حيلة إبليس":

 يُظهر النص أن إبليس دخل على آدم من باب النصيحة والخوف عليه، بل وأقسم بالله كذبًا، وهو ما لم يتوقعه آدم.

"الحجة بين آدم وموسى":

 الحوار يُبرز أن خطيئة آدم كانت مقدّرة قبل خلقه، وأنها كانت ضمن سنن الله في ابتلاء بني آدم.

"قبول العذر":

 النبي صلى الله عليه وآله قرر أن آدم غلب بالحجة موسى، أي إن عذره كان سائغًا في ميزان الابتلاء الإلهي.

الخاتمة:

يتضح من هذه الرواية أن معصية آدم لم تكن مجرد حادثة فردية، بل كانت أصلًا لسنّة بشرية متكررة، وهي الانخداع بالباطل حين يتزيّن بلباس الحق. كما أن فيها دلالة على عظم التوبة، إذ إن الله سبحانه وتعالى شاء أن يكون ذنب آدم بداية لفتح باب الرحمة والمغفرة لكل ذريته. فالإنسان قد يخطئ، لكن المخرج هو الرجوع إلى الله، والاعتصام بحبله، والحذر من مكر الشيطان.