مقتل الإمام الحسين: حقيقة تاريخية
في يوم العاشر من محرّم الحرام سنة 61هـ، وقعت فاجعة استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنه في أرض كربلاء بالعراق، في واحدة من أعظم المصائب التي مرّت على الأمة الإسلامية. وقد حرص المسلمون على مر العصور على الترحم عليه والاعتراف بظلمه وقتله، دون أن يفتحوا باب الغلو أو الابتداع.
لكن المؤسف أن هذه الحادثة أصبحت أداة بأيدي فرق منحرفة استغلتها عبر التاريخ لأغراض سياسية وطائفية، تحت ذريعة الثأر للحسين، فارتُكبت مجازر ومظالم باسم هذا "الثأر".
♦ ففي التاريخ، البساسيري ارتكب مذابح بشعة في العراق بذريعة الانتقام للحسين.
♦ وفي القرن السابع الهجري، ابن العلقمي خان بغداد وتواطأ مع التتار الذين قتلوا مئات الآلاف من المسلمين لنفس الدعوى.
♦ وحتى عصرنا الحديث، تستغل بعض الجماعات هذه الذكرى لهدم المساجد وتهجير المسلمين.
وكل ذلك باطلٌ شرعًا وعقلًا وتاريخًا، فالمسلمون جميعًا، سنة وشيعة، يكرهون ما وقع للحسين عليه السلام، ولكنهم يختلفون في طريقة التعبير عن الحزن والتعاطف، إذ لا يجوز بحال من الأحوال اتخاذ حادثة أليمة كذريعة للفتنة والبدعة والاعتداء على الأبرياء.
موقف أهل السنة من استشهاد الحسين
قال الحافظ ابن كثير:
"كل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتل الحسين رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة، وابن بنت رسول الله فاطمة رضي الله عنها التي هي أفضل بناته. "البداية والنهاية 8/ 221"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"الحسين قُتل مظلومًا شهيدًا... قتله أو أعان على قتله أو رضي بذلك، فهو عاصٍ لله ورسوله... واستشهاده رفعة له، وبلاء اختصه الله به لينال منزلة الشهداء. " منهاج السنة النبوية 4/550"
تفاصيل استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه
عندما بلغ أهل الكوفة أن الحسين لم يبايع ليزيد بن معاوية، أرسلوا إليه مئات الرسائل يدعونه فيها للخروج إليهم ومبايعته، فبلغت كتبهم أكثر من 500 كتاب.
فأرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل ليتحقق من الوضع، فاستُقبل بحرارة وبايعه آلاف في دار هانئ بن عروة. لكن حين بلغ عبيد الله بن زياد والي البصرة ما حدث، دخل الكوفة وسيطر عليها، وخطب في الناس وأغراهم بالترهيب والترغيب حتى تفرق الناس عن مسلم ولم يبق معه أحد.
فتم القبض على مسلم بن عقيل، وقُتل في يوم عرفة بعد أن أرسل للحسين رسالة نصح فيها بالرجوع قائلاً:
"ارجع بأهلك، ولا يغرنّك أهل الكوفة، فإنهم قد كذبوك وكذبوني."
لكن الحسين كان قد خرج من مكة يوم التروية، رغم تحذير كبار الصحابة له: ابن عباس، ابن عمر، ابن الزبير، ابن عمرو، وأخوه محمد بن الحنفية.
في الطريق وصله خبر مقتل مسلم، فتردد في مواصلة المسير، ثم قرر أن يذهب إلى يزيد في الشام، لكن الخيول اعترضته في كربلاء بقيادة عمر بن سعد، شمر بن ذي الجوشن، وحصين بن تميم.
عرض عليهم الحسين ثلاث خيارات:
1- أن يسمحوا له بالرجوع إلى المدينة.
2- أو أن يذهب إلى يزيد.
3- أو أن يُطلق له سبيل الجهاد في الثغور.
فرفضوا جميعًا، وأصرّوا على أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد، فرفض، ودارت المعركة، وقتل الحسين ومن معه، مظلومين شهداء، نسأل الله لهم الرضوان والقبول.
ما الموقف الصحيح من هذه الفاجعة؟
نصَّ النبي ﷺ في الحديث الصحيح:
"ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية." رواه البخاري ومسلم
وقد حذر العلماء من البدع التي ارتبطت بعاشوراء:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"اتخاذ يوم عاشوراء مأتمًا بما يصنع فيه من اللطم، والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن... كل هذا بدعة منكرة، لم يعملها أحد من أئمة آل البيت." الفتاوى الكبرى 1/201
والعجيب أن الرافضة يرمون أهل السنة بأنهم قاتلوه، بينما الواقع التاريخي الثابت أن شيعة الكوفة هم من دعوه ثم خذلوه! وهم من شارك في قتاله تحت راية عبيد الله بن زياد.
عقوبة قتلة الحسين في الدنيا قبل الآخرة
ذكر ابن كثير أن أكثر من شارك في قتل الحسين أصيبوا بالجنون أو العاهات، وأن الله انتقم منهم في الدنيا قبل الآخرة:
"قلّ من نجا من أولئك الذين قتلوا الحسين من آفة وعاهة في الدنيا." البداية والنهاية 8/220
طقوس عاشوراء عند الرافضة: بدع وأوهام
في عهد الدولة البويهية الشيعية، تم إدخال كثير من البدع في عاشوراء:
♦ ضرب الطبول في بغداد
♦ نثر الرماد والتبن في الطرقات
♦ خروج النساء حاسرات يلطن وجوههن
♦ الامتناع عن شرب الماء بحجة أن الحسين قُتل عطشانًا
وهذه لم يفعلها علي بن الحسين، ولا محمد الباقر، ولا جعفر الصادق، ولا أحد من أئمة آل البيت، بل هي اختراعات متأخرة.
قال ابن كثير:
"هذه الطقوس بدع شنيعة، وأهواء فظيعة، وهتائك مخترعة، ما أنزل الله بها من سلطان."
الخاتمة:
قضية استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه هي قضية إسلامية عامة، يحزن لها كل مسلم، لكن التعبير عنها يجب أن يكون على طريقة السلف الصالح، بالصبر والدعاء والرضا بقضاء الله، لا بالتطبير، والنواح، وشق الجيوب، وسب الصحابة، وتحريف التاريخ.
الحسين وأهل بيته الطاهرون أعلى وأشرف من أن يُتاجر باسمهم، ومن أحب الحسين حقًا، فليتّبع طريقه في الدين والعقيدة والسنة، لا طريق من خذلوه وقتلوه ثم ندبوه كذبًا.