تُعَدُّ قصة آدم عليه السلام من أبرز القضايا التي دار حولها نقاش واسع بين المفسرين وأهل العلم، لما تضمنته من معانٍ عقدية وابتلاءات إنسانية مرتبطة بأصل الوجود البشري. فالقرآن الكريم ذكر خطيئة آدم وأكله من الشجرة التي نُهي عنها، ثم توبته التي قبلها الله عز وجل، وأورد المفسرون والرواة تفصيلات متعددة تكشف أبعاد هذه القصة، سواء من جهة الذنب الذي صدر عنه، أو من جهة التوبة التي فُتحت بها أبواب الرجاء لكل المذنبين. وتظهر روايات "العلل" للشيخ الصدوق وكذلك "عيون أخبار الرضا" و"الكافي" وغيرها، إشارات صريحة إلى أن ما صدر عن آدم كان ذنبًا أو معصية، وأن ذلك كان له أثر عظيم في سنن الله مع خلقه، من جهة ابتلاء الشيطان للإنسان، ومن جهة تشريع التوبة والرجوع إلى الله. هذا المقال يعرض أبرز تلك النصوص مع قراءة واضحة لدلالاتها، دون الدخول في الجدل المذهبي، مكتفيًا ببيان المرويات نفسها وما تحمله من معانٍ.

 وفي "العلل للصدوق":

1 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن يعقوب بن يزيد، عن أحمد بن أبي محمد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن معمر بن يحيى، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما بال الناس يعقلون ولا يعلمون؟ قال: إن الله تبارك وتعالى حين خلق آدم جعل أجله بين عينيه، وأمله خلف ظهره، فلما أصاب الخطيئة حصل أمله بين عينيه، وأجله خلف ظهره، فمن ثَمَّ يعقلون ولا يعلمون.

"علل الشرائع الصدوق ج 1 ص 92 (باب 82: العلة التي من أجلها صار الناس يعقلون ولا يعلمون)".

ولننظر إلى هذه الرواية بوضوح، فإن فيها تصريحًا بالذنب:

1- أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثني عبد الله بن محمد، عن أبيه، عن أحمد بن النضر الخراز، عن عمر بن مصعب، عن فرات بن الأحنف، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: لولا أن آدم أذنب ما أذنب مؤمن أبدًا، ولولا أن الله عز وجل تاب على آدم ما تاب على مذنب أبدًا.

"علل الشرائع الصدوق ج 1 ص 84 (باب 78: علة الذنب وقبول التوبة)".

فالمتأمل في هذه النصوص لا يمكن أن يغفل عن الدلالة الصريحة على أن "آدم عليه السلام قد صدر منه ذنب". إذ إن الروايات تبيّن أن الخطيئة التي وقعت من آدم كانت سببًا لتحوّل موقع الأجل والأمل، ومن ثم صار الناس يعقلون ولا يعلمون. كما تبيّن أن ذنب آدم كان أصلًا لذنوب المؤمنين من بعده، وأن التوبة التي قبلها الله منه كانت مثالًا يُحتذى في قبول التوبة عن سائر المذنبين.

لا أظن أن أحدا لا يفهم من هذا الكلام ان آدم عليه السلام قد وقع منه ذنب.

في عيون أخبار الرضا:

وفي عيون اخبار الرضا :" 67 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة عن حمدان بن سليمان عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام: يا بن رسول الله اخبرني عن الشجرة التي اكل منها آدم وحواء ما كانت ؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروى انها الحنطة ومنهم من يروى انها العنب ومنهم من يروى انها شجره الحسد فقال عليه السلام: كل ذلك حق قلت: فما معنى هذه الوجوه على اختلافها ؟ فقال: يا أبا الصلت ان شجرة الجنة تحمل أنواعا فكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجره الدنيا وان آدم عليه السلام لما أكرمه الله تعالى ذكره باسجاد ملائكته وبادخاله الجنة قال في نفسه: هل خلق الله بشرا أفضل منى ؟ فعلم الله عز وجل ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك يا آدم وانظر إلى ساق العرش فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا: لا اله إلا الله محمد رسول ( ص ) وعلي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين وزوجته فاطمة سيده نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة فقال آدم عليه السلام: يا رب من هؤلاء ؟ فقال عز وجل: هؤلاء من ذريتك وهم خير منك ومن جميع خلقي ولولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء والأرض فإياك ان تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم فتسلط عليه الشيطان حتى اكل من الشجرة التي نهى عنها وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة عليها السلام بعين الحسد حتى اكلت من الشجرة كما اكل آدم عليه السلام  فأخرجهما الله عز وجل عن جنته فأهبطهما عن جواره إلى الأرض " أهـ .

 عيون أخبار الرضا  - الصدوق - ج 2  ص 274 275 ، والانوار النعمانية ج 1 ص 178 179 

 إن الرواية صريحة بوقوع آدم عليه السلام بأحد أصول الكفر وهو الحسد فنتج عن ذلك إخراج الله تعالى له من الجنة . بل الأدهى من ذلك في هذه الرواية تسلط الشيطان على آدم عليه السلام .

وقد ذكر الصدوق في العلل هذه الرواية في باب   العلة التي من أجلها أمر الله تبارك وتعالى عباده إذا تداينوا وتعاملوا أن يكتبوا بينهم كتابا .

ثالثًا: روايات أخرى في علل الشرائع:

وسوف اذكر السند مع الشاهد لطول الرواية: " 1 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال ................................  

قال أبو جعفر: وكان آدم صادقا لم يذكر ولم يجحد ، فمن ذلك اليوم أمر الله تبارك وتعالى العباد ان يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل مسمى  لنسيان آدم وجحوده ما جعل على نفسه " أهـ .

علل الشرائع - الصدوق - ج 2 - ص 553 554 .

وايضا: " 1  - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن معاوية بن حكيم عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله " ع " قال: سمي الانسان إنسانا لأنه ينسى ، وقال الله عز وجل: ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي )  " أهـ .

علل الشرائع - الصدوق - ج 1 - ص 15

رابعًا: في الكافي للكليني:

وفي الكافي تسلط الشيطان على ادم: " 1 -  عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَوْ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) قَالَ إِنَّ آدَمَ ( عليه السلام ) قَالَ يَا رَبِّ سَلَّطْتَ عَلَيَّ الشَّيْطَانَ وَ أَجْرَيْتَهُ مِنِّي مَجْرَى الدَّمِ فَاجْعَلْ لِي شَيْئاً فَقَالَ يَا آدَمُ جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ هَمَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَ مَنْ هَمَّ مِنْهُمْ بِحَسَنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ فَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً قَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ سَيِّئَةً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لَهُ غَفَرْتُ لَهُ قَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ جَعَلْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ أَوْ قَالَ بَسَطْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ حَتَّى تَبْلُغَ النَّفْسُ هَذِهِ قَالَ يَا رَبِّ حَسْبِي " أهـ .

الكافي الكليني - ج 2 ص 440، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة حسن ج 11 ص 311

الخلاصة:

إن مجموعة هذه النصوص تكشف بوضوح أن آدم عليه السلام قد صدر عنه ذنب، سواء فُسّر بالخطيئة المباشرة (أكل الشجرة) أو بالحسد أو بالنسيان، وأن الشيطان تسلط عليه وكان له أثر في إغوائه. لكن في المقابل، فإن توبته قُبلت فصارت سنّة جارية إلى يوم القيامة، فتح الله بها أبواب الرحمة على ذريته، فصار ذنبه سببًا في تشريع التوبة، كما صار نسيانه أصلًا في طبيعة البشر وطبائعهم.