من القضايا التي تناولها علماء الحديث والنقد بالرواية قضية عكرمة مولى ابن عباس رحمه الله، وما نُسب إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من أنه طعن فيه بالتكذيب. وقد استغل بعض الطاعنين هذه الرواية ليلبسوا على الناس في مكانة عكرمة وموقعه بين الثقات، مع أن النقاد المحققين وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر العسقلاني بيّنوا ضعف هذا الأثر وعدم ثبوته، بل وأكدوا أنه حتى على فرض صحته فإنه لا يقدح في عدالة عكرمة، إذ إن لفظ "الكذب" في لغة العرب وأهل الحجاز قد يأتي بمعنى "الخطأ" لا بمعناه الاصطلاحي الشائع. من هنا تتضح أهمية هذا البحث، إذ يهدف إلى بيان حقيقة الأمر، ورفع الإشكال، والدفاع عن مكانة أحد أعلام التفسير والرواية.
قال الحافظ ابن حجر:
"فأشدها مَا روى عَن بن عمر أَنه قَالَ لنافع لَا تكذب عَليّ كَمَا كذب عِكْرِمَة على بن عَبَّاس.
مقالات السقيفة ذات صلة: |
شبهة حول رواية بن القيم الذي يقول بفناء النار الكنجي الرافضي: خيانة للتتار وفضيحة في كتب التاريخ |
فإمَّا الْوَجْه الأول: فَقَوْل بن عمر لم يثبت عَنهُ لِأَنَّهُ من رِوَايَة أبي خلف الجزار عَن يحيى الْبكاء أَنه سمع بن عمر يَقُول ذَلِك وَيحيى الْبكاء مَتْرُوك الحَدِيث قَالَ بن حبَان وَمن الْمحَال أَن يجرح الْعدْل بِكَلَام الْمَجْرُوح وَقَالَ بن جرير أَن ثَبت هَذَا عَن بن عمر فَهُوَ مُحْتَمل لأوجه كَثِيرَة لَا يتَعَيَّن مِنْهُ الْقدح فِي جَمِيع رِوَايَته فقد يُمكن أَن يكون أنكر عَلَيْهِ مَسْأَلَة من الْمسَائِل كذبه فِيهَا.
قلت: وَهُوَ احْتِمَال صَحِيح لِأَنَّهُ روى عَن بن عمر أَنه أنكر عَلَيْهِ الرِّوَايَة عَن بن عَبَّاس فِي الصّرْف ثمَّ اسْتدلَّ بن جرير على أَن ذَلِك لَا يُوجب قدحا فِيهِ بِمَا رَوَاهُ الثِّقَات عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنه قَالَ إِذْ قيل لَهُ إِن نَافِعًا مولى بن عمر حدث عَن بن عمر فِي مَسْأَلَة الْإِتْيَان فِي الْمحل الْمَكْرُوه كذب العَبْد على أبي قَالَ بن جرير وَلم يرَوا ذَلِك من قَول سَالم فِي نَافِع جرحا فَيَنْبَغِي أَن لَا يرَوا ذَلِك من بن عمر فِي عِكْرِمَة جرحا وَقَالَ بن حبَان أهل الْحجاز يطلقون كذب فِي مَوضِع أَخطَأ ذكر هَذَا فِي تَرْجَمَة برد من كتاب الثِّقَات " فتح الباري – احمد بن علي بن حجر - ج 1 ص 425 – 427
وقال الحافظ في التقريب:
" 4673 - عكرمة أبو عبد الله مولى بن عباس أصله بربري ثقة ثبت عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه عن بن عمر ولا تثبت عنه بدعة من الثالثة مات سنة أربع ومائة وقيل بعد ذلك ع "
تقريب التهذيب – احمد بن علي بن حجر - ص 397
لقد بين الحافظ ابن حجر ان الاثر لا يصح عن ابن عمر رضي الله عنه، ولو سلمنا جدلا بصحة الاثر فان له وجها يدفع القدح بعكرمة رحمه الله، وذلك لان العرب تستخدم كلمة الكذب بمعنى الخطأ كما نقل الحافظ ابن حجر عن الامام ابن حبان.
مقالات السقيفة ذات صلة: |
رواية: سماك بن حرب نزل إلى الفرات وأغمس رأسه فردّ بصره الفرق بين الكرامة عند أهل السنة والولاية التكوينية عند الشيعة |
وفي لسان العرب لابن منظور:
"وقد استعملت العربُ الكذِبَ في موضع الخطإِ وأَنشد بيت الأَخطل كَذَبَتْكَ عينُكَ أَم رأَيتَ بواسِطٍ وقال ذو الرمة وما في سَمْعِهِ كَذِبُ "
لسان العرب – محمد بن مكرم بن منظور - ج 1 ص 708
وقال الامام ابن حبان:
" وأهل الحجاز يسمون الخطأ كذبا "
الثقات – ابو حاتم محمد بن حبان البستي - ج 6 ص 114