هل قال ابن تيمية: "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا"؟ تصحيح الفهم ونقد الروايات
تعتبر فرقة الروافض من الفرق الضالة التي تعتمد على اختلاق الأحاديث أو تحريفها لتحقيق أغراضهم العقائدية والسياسية، وهو ما يبعدهم عن المنهج الإسلامي الصحيح. ومن أبرز القضايا المغلوطة التي يتم تداولها حول علماء الأمة، ما يُنسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ من أقوال عن نزول الله إلى سماء الدنيا وخصوصًا ما زُعم نقله في رحلة ابن بطوطة. في هذا المقال نوضح الحقيقة التاريخية حول هذه الرواية، مستندين إلى الأدلة العلمية والتاريخية.
أولًا: النص المنسوب لابن تيمية
يُزعم أن ابن بطوطة قد رأى ابن تيمية يعظ على منبر الجامع الأموي ويقول:
الحمد لله أما بعد:
ساق الإمام البخاري بسنده إلى مُصْعَب بْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَيّ النَّاس أَشَدّ بَلَاء؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاء، ثُمَّ الْأَمْثَل فَالْأَمْثَل، يُبْتَلَى الرَّجُل عَلَى حَسَب دِينه " وهكذا يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم درجات الناس في الابتلاء أشدهم بلاءاً الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه.
ثم الأمثل... أي أمثل الناس ولا يكون كذلك إلا بقربه من النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وهديه فتقدر شدة البلاء بشدة التمسك بما جاء به النبي صلى الله عليه
فله من البلاء على قدر دينه ولا تزال التهم والافتراءات تلقى على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والأفاضل الأكارم من بعد بعدهم ومعلومة هي الافتراءات على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من قديم الأزل إلى وقت الناس هذه وكذلك ما يلصق بالأفاضل الأكارم معلمي الناس الخير حراس العقيدة شيوخ الأمة ومن هذا: ما يشنع به أهل البدع من رافضة وصوفية وأشاعرة وغيرهم على شيخ الإسلام بحر العلوم "بن تيمية الحراني" رضى الله عنه وكثيرة هي التهم التي هو منها براء
قالوا: مجسم
قالوا: مشبهة
قالوا: حشوي
قالوا: ناصبي
وغيرها مما هو معروف من كلام القوم ولقد وقفت على فرية شنيعة أثيمة يرمونه بها
ألا وهي قولهم إنه مجسم مشبه!!
وكيف ذلك؟
هل شيخ الإسلام صاحب العقيدة الواسطية والتدمرية والحموية وغيرها.... مجسم مشبه!! إنكم لتقولون قولا عظيما ما دليلكم أيها الحمقى.. قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين قالوا: إنظروا ماذا قال عنه "بن بطوطة " الرحالة المؤرخ وهو من معاصريه.
وماذا قال "بن طوطة"؟؟
قال بن بطوطة كما هو مدون في رحلته ما نصه:
" وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام يتكلم في الفنون. إلا إن في عقله شيئاً. وكان أهل دمشق يعظمونه أشد التعظيم، ويعظهم على المنبر. وتكلم مرة بأمر أنكره الفقهاء، ورفعوه إلى الملك الناصر فأمر بإشخاصه إلى القاهرة، وجمع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصر، وتكلم شرف الدين الزواوي المالكي وقال: إن هذا الرجل قال كذا وكذا، وعدد ما أنكر على ابن تيمية، وأحضر العقود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة وقال قاضي القضاة لابن تيمية: ما تقول؟
قال: لا إله إلا الله فأعاد عليه فأجاب بمثل قوله. فأمر الملك الناصر بسجنه فسجن أعواماً. وصنف في السجن كتاباً في تفسير القرآن سماه البحر المحيط، في نحو أربعين مجلداً. ثم إن أمه تعرضت للملك الناصر، وشكت إليه، فأمر بإطلاقه إلى إن وقع منه مثل ذلك ثانية. وكنت إذ ذاك بدمشق، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم. فكان من جملة كلامه إن قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من درج المنبر فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلم به. إنتهى
قلت: دعونا ننظر في حال هذا الكلام وبعد النظر تبين إن نسبة الكلام لابن بطوطة صحيحة ولكن تبقى شىء مهم... ألا وهو التاريخ.. فبه تبين الحقائق
يقول بن بطوطة " وكنت إذ ذاك بدمشق، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم"
يعنى كان موجود وقتها.. تنبه لهذه طيب متى يا بن بطوطة دخلت دمشق؟؟
يقول في رحلته المدونة " ولفرط اشتياقي إلى دمشق وصلت يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المعظم عام ستة وعشرين إلى مدينة دمشق الشام، فنزلت منها بمدرسة المالكية المعروفة بالشرابشية، ودمشق هي التي تفضل جميع البلاد حسناً وتتقدمها جمالاً، "إنتهى
إذن بن بطوطة دخل دمشق في رمضان "726"هــ جميل جدا ننظر إلى هذا التاريخ جيدا ثم نعيد النظر إلى تاريخ بن تيمية أين كان بن تيمية في هذا التاريخ توفى بن تيمية في ذي القعدة "728" أى بعد دخول بن بطوطة دمشق بسنتين وأين كان بن تيمية في هذه السنتين... حتى يراه بن بطوطة وهو يخطب على المنبر؟؟؟
الصاعقة أقصد الجواب:
أنه كان في السجن...!! نعم كان شيخ الإسلام محبوسا في سجن القلعة
قال بن حجر في الدرر الكامنة ":
ثم قاموا عليه مرة أخرى في شعبان سنة 726 بسبب مسألة الزيارة واعتقل بالقلعة فلم يزل بها إلى إن مات في ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة سنة 728"
الخلاصة:
بن بطوطة دخل دمشق في رمضان وشيخ الإسلام دخل السجن في شعبان لنفس السنة وظل فيه إلى إن مات رحمه الله فأين رأه بن بطوطة وهو يخطب على المنبر يوم الجمعة!!!
وإلى هنا أنتهي الجواب وظهر الكذب والحمد لله اللهم أغفر لشيخ الإسلام بن تيمية واعف عنه اللهم أمين.
استكمالًا للموضوع:
قال الشيخ المحقق (محمد بهجت البيطار) فى كتابه (حياة شيخ الإسلام) تحت عنوان دفع فرية عن ابن تيمية.
بحث تاريخى علمى:
لقد صدق كثير من العلماء والادباء في مختلف العصور هذه الرواية الأتية في رحلة بن بطوطة الشهير وجعلوها قضية مسلمة يرونها ويتوارثونها إلى عصرنا هذا.
حتى إن دائرة المعارف الإسلامية التي تنقل إلى العربية في مصر قد ترجمت لآبن تيمية ترجمة بقلم الإستاذ محمد بن شنب فيها أغلاط كثيرة ونقلت عبارة بن بطوطة هذه وهي قوله عن إمام الشام وشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : )كنت إذ ذاك بدمشق فحضرته وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم. فكان من جملة كلامه إن قال "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر(
فرأيت إن أنشر كلمة في هذا الموضوع تكون الحد الفاصل بين الحق والباطل:
1- ان بن بطوطة رحمه الله لم يسمع من ابن تيمية ولم يجتمع به إذ كان وصوله الى دمشق يوم الخميس التاسع عشر من شهر رمضان عام ستة وعشرين وسبعمائة هجرية، وكان سجن شيخ الإسلام في قلعة دمشق في أوائل شهر شعبان من ذلك العام 726هـ ولبث فيه الى إن توفاه الله تعالى ليله الاثنين لعشرين من ذي القعدة عام 728هـ !!!!!!!
فكيف رأه بن بطوطة يعظ على منبر الجامع وسمعه يقول (ينزل ربنا.... إلخ)
2- إن رحلة ابن بطوطة مملوءة بالروايات والحكايات الغريبة ومنها ما لا يصح عقلا ولا نقلاً وهو يلقي ما ينقله على عواهله ولا يتعقبه بشيء فمن ذلك قوله وفي وسط المسجد الأموي في دمشق قبر زكريا – عليه السلام – وطبعا المعروف في هذا والذي يقال انه قبر يحى – عليه السلام – وقال ايضاً وقرأت في فضائل دمشق عن سفيان الثوري إن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة ويمر عليها دون اي تعليق وهذا طبعا لا يقال من قبل الرأي وسفيان أجل من إن يفضله على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين وهما لم يبلغ الثواب فيهما هذه الدرجة كما هو معلوم للمحدثين وغيرهم ومن نقوله التي اقرها ولم ينكرها النذور للقبور المعظمة والوقوف على ابواب الملوك ومن ذلك النذر لابي اسحاق اذا هاجت الرياح في البحار واشتدت الأخطار، وهو مالم يبلغه أهل الجاهلية الذين قال الله تعالى عنهم ﴿فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ﴾
3- لم يكن ابن تيمية يعظ الناس على منبر الجامع كما زعم ابن بطوطة (فحضرته وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم....)
بل لم يكن يخطب او يعظ على منبر الجمعة كما يوهمه قوله ونزل درجة من درج المنبر وانما كان يجلس على كرسي يعظ الناس ويكون المجلس غاصاً بأهله
قال الحافظ الذهبي:
وقد أشتهر أمره وبعد صيته في العالم وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيام الجمع على كرسي من حفظه فكان يورد المجلس ولا يتلعثم وكان يورد الدرس بتؤدة وصوت جهوري فصيح وقال وفسر كتاب الله تعالى مدة سنين من صدره أيام الجمع.
قال علم الدين البرزالي )في معجم شيوخه):
وكان يجلس شيخ الإسلام ابن تيمية صبيحة كل يوم جمعة يفسر القرآن العظيم فانتفع بمجلسه وبركة دعائه وطهارة انفاسه وصدق نيته وصفاء ظاهره وباطنه وموافقة قوله عمله. وانما كان يخطب الناس يوم الجمعة على منبر الجامع الاموي رئيس القضاة (جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني وقد كان خطيب المسجد وامام الشافعية فيه وكان سكناه بدار الخطابة.
وهذا الكلام موجود في الجزء الاول من كتاب ابن بطوطة صفحة 56 وكان هو الخطيب المعين في تلك الفترة جلال الدين القزويني.
ومما تقدم يعلم بان ابن تيمية كان مدرسا وواعظاً لا خطيباً وكان يلقي درسه في التفسير صبيحة كل جمعة وهو جالس على كرسي في الجامع الأموي لا واقفاً على المنبر لينزل درجة عنه وقد أشار لذلك الحافظ المؤرخ بن عبد الهادي – رحمه الله – بقوله إن الشيخ جلس يوم الجمعة على عادته وقال وهو يصف حاله واحواله بمصر ويتكلم في الجوامع يوم الجمعة من بعد العصر فهو لم يقل على منابر الجمعة ولا على منابر الخطابة
إلى إن قال على إن بن بطوطة لم يكتب رحلته بقلمه، وإنما أملاها على بن جزى الكلبي وقال هذا في المقدمة (ونقلت معانى كلام الشيخ أبى عبدالله بألفاظ موفيه للمقاصد التي قصدها موضحة للمعاني التي أعتمدها)
فيجوز إن يكون ذلك من تحريف النساخ أو وسوسة بعض الخصوم والله تعالى العلم) إنتهي بتصرف من كتاب) حياة شيخ الإسلام) للشيخ المحقق محمد بهجت البيطار
وكذلك نقله مختصرا العلامة بن حجر أل بوطامي في كتابه (العقائد السلفية بالأدلة النقلية والعقلية)
رابعًا: الرد على الشبهة:
الشبهة:
زعم البعض أن ابن تيمية قال: "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا"، واعتُبر ذلك تجسيمًا أو تشبيهًا.
الرد:
◘ الرواية المنسوبة لابن بطوطة غير صحيحة تاريخيًا، كما تبين من تواريخ وصوله وسجن ابن تيمية.
◘ ابن تيمية رحمه الله مؤلف للكتب العلمية ومن أهل العقيدة الواسطية، لا يمكن نسب هذا القول إليه إلا بالباطل.
◘ التدريس والوعظ عند ابن تيمية كان في شكل درس جالس على كرسي، وليس على منبر الجمعة، كما ذكر الحافظ الذهبي وعلماء السير.
◘ هذه الشبهة منسوبة إلى خصومه الذين حاولوا نسب أقوال للتشويه، ولا دليل صحيح على قول ابن تيمية بذلك.