من الأحاديث التي أثارت نقاشاً واسعاً بين الفرق الإسلامية، حديث صلاة المهدي المنتظر بعيسى عليه السلام بعد نزوله في آخر الزمان. فقد ورد في بعض الروايات أن الإمام المهدي يتقدم للصلاة، فينزل عيسى في وقتها، فيتأخر المهدي ليفسح المجال لعيسى أن يؤم الناس، لكن عيسى يضع يده على كتفيه ويقول له: «تقدم فصلّ، فإنها أقيمت لك».

هذا النص استدل به الشيعة لإثبات عقيدتهم في إمامة المهدي، بل ذهب بعضهم إلى القول بأن تقديم عيسى له دليل على أن المهدي أفضل من الأنبياء. غير أن علماء أهل السنة والجماعة بينوا أن هذا الفهم باطل، وأن الحديث لا يدل على المفاضلة بين المهدي وعيسى عليه السلام، بل هو إظهار لفضل أمة محمد ﷺ، حيث شُرّفت بأن يصلي نبي الله عيسى خلف إمام من أئمتها.

كما أن الروايات الصحيحة مثل ما في صحيح مسلم جاءت بلفظ: «وإمامهم رجل صالح» أو «بعضكم أمراء بعض، تكرمة الله هذه الأمة»، مما يبين أن المقصود هو إعلاء شأن الأمة المحمدية لا تفضيل المهدي على الأنبياء. ثم إن احتجاج الشيعة بهذا الحديث يلزمهم الإقرار بفضل أبي بكر رضي الله عنه على علي، إذ صلى علي خلفه بعد وفاة النبي ﷺ، وإلا وقعوا في التناقض.

وعند التحقيق، نجد أن الروايات التي يعتمد عليها الشيعة في هذا الباب ضعيفة السند عندهم، كما هو الحال في روايات تفسير القمي، وكمال الدين للصدوق، وروايات سهل بن زياد وغيره من الضعفاء، مما ينسف استدلالهم من أصله. أما الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة فهي ثابتة، لكنها لا تدل على ما ذهبوا إليه من غلو وتفضيل غير مشروع.

إن هذا الحديث عند حمله على الوجه الصحيح يمثل تكريماً للأمة الإسلامية، ودليلاً على أن المهدي رجل صالح يقود الأمة بالعدل، بينما يصلي خلفه عيسى عليه السلام ليظهر أن هذه الأمة باقية على الحق حتى آخر الزمان... 

 

أيها الناس إنها لم تكن فتنة..

 قول المهدي تقدم فَصَلِّ وقول عيسى إنما أقيمت الصلاة لك.... الحديث طويل.

وموضع احتجاج الرافضة منه قول المسيح للمهدي «إنما أقيمت الصلاة لك» وكذلك «وإمامهم رجل صالح. فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح. فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقري ليتقدم عيسى يصلى بالناس. فيضع عيسى بده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل. فإنها لك أقيمت. فيصلى بهم إمامهم».

رواه ابن ماجه في سننه بإسناد ضعيف كما حققه شيخنا الألباني (حديث رقم4077) وضعيف الجامع حديث رقم6384) ولكن صححه من طريق آخر كما في (صحيح الجامع الصغير حديث رقم7875).

ويحتج الرافضة بالرواية لإثبات شرعية إمامة المهدي وأنه أفضل من عيسى النبي.

ولكن في هذا الحديث ثلاثة لوازم ضد الشيعة:

قول المهدي للمسيح (تقدم للصلاة) ونسألهم: كيف يليق بالأضل أن يقول للمسيح تقدم مع علمه بأنه أحق من المسيح بإمامة الصلاة؟ ألستم تقولون: كيف حث أبو بكر الناس على مباعة أحد الرجليم: عمر أو أبا عبيدة بن الجراح؟ ألم يكن يعلم أنه هو الأولى بالإمامة؟

أما إثبات الإمامة فيلزم منها أحقية إمامة أبي بكر. فإن النبي شدد على أن يؤم أبو بكر الناس في الصلاة.

والحديث لا يتعارض مع قول المسيح في الروايات الأخرى (بعضكم أمراء بعض تكرمة الله هذه الأمة). فإن النصوص الصحيحة يكمل كل منها معنى لم يكن في الآخر ولا يناقضه. والمسيح أراد بيان فضل هذه الأمة أولا. وفضل أفضلها في ذلك الوقت وهو المهدي. فأمة محمد خير الأمم والمهدي أفضلها.

وتبقى الرواية الأصح سندا كما في صحيح مسلم (تكرمة الله هذه الأمة). فهي بيان أفضلية هذه الأمة على الأمم ولكن على الوجه الذي أراده المسيح. وهو تقدمة الأمة بمن فيها المهدي.

وقد احتج به الرافضة على عقيدتهم في تفضيل أئمتهم على الأنبياء والرسل بدليل أن المسيح قدم المهدي على نفسه مع أنه رسول نبي.

وهذا الفهم باطل، فإن المسيح أراد إظهار أفضلية هذه الأمم وأنها أكرم الأمم على الله. فجعلوا صلاة عيسى خلفه دليلا على أفضلية المهدي عليه.

ويلزمهم أن أبا بكر أفضل من علي رضي الله عنهما. فقد كان يصلي علي وراء أبي بكر بعد موت النبيe. فإن قالوا لا يلزمنا ذلك لعدم صحة أحاديث صلاة علي خلفه عندنا.

قلنا: وكذلك لم تصح رواية صلاة عيسى خلفه عندكم وأنتم تحتجون بها يا متناقضون.

علي بن إبراهيم في تفسيره:

 أن أباه حدثه عن سليمان بن داود المنقري عن أبي حمزة الثمالي عن شهر بن حوشب قال: قال «الحجاج بن يوسف آية من كتاب الله قد أعيتني قوله: ﴿وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته﴾ والله إني لأمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يحمل فقلت أصلح الله الأمير ليس على ما أولت، قال: فكيف هو قلت إن عيسى بن مريم ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ولا يبقى أهل ملة يهودي أو نصراني أو غيره إلا وآمن به قبل موت عيسى ويصلي خلف المهدي».

رواه القمي في (تفسيره8/33 تفسير نور الثقلين2/138). ولا تصح نسبته إليه عندكم.

وفي الرواية ابراهيم بن هاشم وهو مجهول عندكم.

ورواه الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة:

حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبوسعيد سهل بن زياد الادمي الرازي (كمال الدين3/70و41).

في إسنادها (سهل بن زياد) وهو ضعيف عند علمائكم. فقد قالوا:

سهل بن زياد: «أبو سعيد الآدمي الرازي روى في كامل الزيارات وتفسير القمي ضعيف جزما أو لم تثبت وثاقته روى 2304 رواية» (المفيد من معجم رجال الحديث محمد الجواهري ص273 ت5630 وفي (رجال بن الغضائري ص66) «سهل بن زياد: أبو سعيد الأدمى الرازي كان ضعيفا جدا».

وجاء في الفهرست:

«سهل بن زياد الأدمى الرازي يكنى أبا سعيد ضعيفا» (الفهرست الطوسى: ص142:339).

وقال النجاشي: «سهل بن زياد أبو سعيد الأدمي الرازي كان ضعيف في الحديث غير معتمد عليه»

(رجال النجاشي ص185:490).

حدثنا محمدبن علي ماجيلويه قال حدثني عمي محمد بن أبي عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي قال حدثني محمد بن علي القرشي قال حدثني أبو الربيع الزهراني قال حدثنا جرير عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال قال ابن عباس: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن لله تبارك وتعالى ملكا يقال له: دردائيل كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء والهواء كما بين السماء إلى الارض وأوحى الله عزوجل إلى الملائكة أن قوموا صفوفا بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل عليه السلام أن اهبط إلى نبيي محمد في ألف قبيل والقبيل ألف ألف من الملائكة على خيول بلق، مسرجة ملجمة، عليها قباب الدر والياقوت، ومعهم ملائكة يقال لهم: الروحانيون، بأيديهم أطباق من نور أن هنئوا محمد بمولود، وأخبره ياجبرئيل أني قد سميته الحسين، وهنئه وعزه وقل له: يا محمد يقتله شرار امتك على شرار الدواب، فويل للقاتل، وويل للسائق، وويل للقائد.... فدخل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة عليها السلام فهنأها وعزّاها، فبكت فاطمة عليها السلام وقالت: يا ليتني لم ألده قاتل الحسين في النار... فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أشهد بذلك يا فاطمة ولكنّه لايقتل حتّى يكون منه إمام يكون منه الأئمّة الهادية بعده ثمّ قال عليه السلام والأئمّة بعدي، الهادي عليّ والمهتدي الحسن والناصر الحسين والمنصور عليّ بن الحسين والشافع محمّد بن عليّ والنفّاع جعفر بن محمّد والأمين موسى بن جعفر والرضا عليّ بن موسى والفعّال محمّد بن عليّ والمؤتمن عليّ بن محمّد والعلاّم الحسن بن عليّ ومن يصلّي خلفه عيسى بن مريم عليه السلام القائم عليه السلام»

(بحار الأنوار43/250).