من النصوص الحديثية التي دار حولها جدل واسع حديث رسول الله ﷺ: «خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً»، وهو حديث صحيح ثابت في صحيح مسلم وغيره، رواه أبو هريرة رضي الله عنه. وقد اشتبه على بعض الناس معنى قوله «على صورته»، فوقعوا بين طرفي نقيض: طرفٍ أول زعم أن في ذلك تشبيهًا وتمثيلًا لله تعالى بخلقه، وطرفٍ ثانٍ عطّل النصوص وأوّلها بما لم يرد عن السلف.
وقد بيّن أهل العلم المراد بهذا الحديث، فقال الإمام النووي رحمه الله: إن الضمير في قوله «على صورته» عائد إلى آدم، أي أن الله خلقه على صورته التي نزل بها إلى الأرض ولم يمر بأطوار كما مرّت ذريته، وطوله ستون ذراعًا، وهذه كانت صورته الأولى في الجنة وبها توفي. وأكد العلماء أن أحدًا من أهل الإسلام لم يقل إن الطول المذكور يعود على الله تعالى.
وقال الإمام الغنيمان:
إن من زعم أن الله طوله ستون ذراعًا فقد افترى على الله كذبًا، وهذا باطل معلوم بالضرورة، فالضمير عائد إلى آدم، والصورة هنا لا تتعلق بالقدر والطول بل بكونه خُلق كامل الخلقة. أما إن قيل إن الضمير لله تعالى، كما ورد في بعض الروايات «على صورة الرحمن»، فالمقصود بالصورة الصفة، أي أن الله خلق آدم على صفةٍ جعلها له من السمع والبصر والعلم والكلام، وهي صفات لله تعالى على وجه الكمال، ولآدم على وجه المخلوق المحدود الناقص. وهذا ما قرره الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
وقد أكد علماء العقيدة وعلى رأسهم ابن باز رحمه الله أن الواجب هو إمرار النصوص كما جاءت، بلا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل، مع الإيمان بأن الله سبحانه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، فصفاته تليق بجلاله ولا تشابه صفات المخلوقين.
مقالات السقيفة ذات صلة: |
- خرافة خروج القائم في آخر الزمان |
وفي المقابل نجد أن الرافضة وقعوا في تناقض شديد، إذ رووا في كتبهم أخبارًا عن أن الله تعالى «تراءى في أحسن صورة» في بيت فاطمة رضي الله عنها! كما في كامل الزيارات لابن قولويه، وهو من أوضح الأدلة على تجسيمهم وتشبيههم لله عز وجل، في الوقت الذي يتهمون فيه أهل السنة بالتجسيم.
قال الامام مسلم:
" 28 - (2841) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، قَالَ: فَذَهَبَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، قَالَ فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ، قَالَ: فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الْآنَ "
صحيح مسلم - بَابُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ- ج 4 ص 2183
والضمير في قوله (على صورته) سواء كان القول بعودته لله تعالى، او لادم عليه السلام، فلم يقل أحد من اهل العلم ان قوله في الحديث (طوله ستون ذراعا) يعود على الله تعالى، بل القول الثابت عن اهل العلم انه يعود لآدم عليه السلام، ولا يتعلق بالله تعالى.
قال الامام النووي:
"قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ وَبَيَانُ تَأْوِيلِهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي صورته عائد إلى آدم وأن المراد أنه خُلِقَ فِي أَوَّلِ نَشْأَتِهِ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي الْأَرْضِ وَتُوُفِّيَ عَلَيْهَا وَهِيَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَلَمْ يَنْتَقِلْ أَطْوَارًا كَذُرِّيَّتِهِ وَكَانَتْ صُورَتُهُ فِي الْجَنَّةِ هِيَ صُورَتُهُ فِي الْأَرْضِ لَمْ تَتَغَيَّرْ "
شرح صحيح مسلم – ابو زكريا يحيى بن شرف النووي – ج 17 ص 178
وقال العلامة الغنيمان:
" ومن زعم أن الله طوله ستون ذراعاً، فهو مفتر كذاب، ملحد، وفساد هذا معلوم بالضرورة، ومعلوم عدم ظهور ذلك من الحديث، فإن الضمير في قوله: ((طوله)) عائد إلى آدم، الذي قيل فيه ((خلق آدم على صورته)) ثم قال: ((طوله ستون ذراعاً))، أي: طول آدم، ولفظ الطول وقدره، ليس داخلاً في مسمى الصورة، حتى يقال: إذا قيل: خلق الله آدم على صورته، وجب أن يكون على قدره.
ومن المعلوم أن الشيئين المخلوقين يكون أحدهما على صورة الآخر، مع التفاوت العظيم في جنس ذواتهما، وقدر ذواتهما.
والإضافة تتنوع دلالتها بحسب المضاف إليه، فلما قال في آخر الحديث:
((فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، طوله ستون ذراعاً)) اقتضى ذلك مشابهة الجنس في القدر؛ لأن صورة المضاف، من جنس صورة المضاف إليه، وحقيقتهما واحدة "
كتاب التوحيد من صحيح البخاري - عبد الله بن محمد الغنيمان - ج 2 ص 78
وقد تكلم العلماء عن معنى الصورة الوارد في الحديث، وبينوا ان الضمير ان كان عائدا لله تعالى فلا يلزم من هذا التشبيه.
قال الحافظ ابن حجر:
"وَقِيلَ الضَّمِيرُ لِلَّهِ وَتَمَسَّكَ قَائِلُ ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ وَالْمُرَادُ بِالصُّورَةِ الصِّفَةُ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ عَلَى صِفَتِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُشْبِهُهَا شَيْءٌ "
فتح الباري – احمد بن علي بن حجر – ج 11 ص 3
وقال الامام ابن باز:
"والواجب على اهل العلم والايمان امرار آيات الصفات وأحاديثها الصحيحة كما جاءت وعدم التأويل لها بما يخالف ظاهرها كما درج على ذلك سلف الامة وائمتها مع الايمان بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء في صورته ولا وجهه ولا يده ولا سائر صفاته بل هو سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه في جميع صفاته لا شبيه له ولا مثل له ولا تُكيف صفاته بصفات خلقه كما نص على ذلك سلف الامة وائمتها من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واتباعهم بإحسان رحمهم الله جميعا وجعلنا من اتباعهم بإحسان "
مقدمة كتاب عقيدة اهل الايمان للشيخ حمود بن عبد الله التويجري بتقريظ الامام عبد العزيز بن باز ص 1 ورمز له بحرف ج
وفي فتاوى نور على الدرب:
حديث: «إن الله خلق آدم على صورته»
س 25: يقول السائل: |
ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن تقبيح الوجه، وأن الله خلق آدم على صورته، فما الاعتقاد السليم نحو هذا الحديث؟ |
الجواب: الحديث ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته » وفي لفظ آخر: «على صورة الرحمن» وهذا لا يلزم منه التشبيه والتمثيل، بل المعنى عند أهل العلم أن الله خلق آدم سميعا بصيرا متكلما إذا شاء، وهذا هو وصف الله عز وجل، فإنه سميع، بصير، متكلم، ذو وجه جل وعلا، وليس المعنى التشبيه والتمثيل، بل الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق، وإنما المعنى أنه سميع، بصير، ذو وجه، ومتكلم إذا شاء، وهكذا خلق الله آدم سميعا بصيرا، ذا وجه، وذا يد، وذا قدم، ويتكلم إذا شاء، لكن ليس السميع كالسميع، وليس البصير كالبصير، وليس المتكلم كالمتكلم، وليس الوجه كالوجه؛ بل لله صفاته سبحانه وتعالى لا يشابهه فيها شيء، بل تليق به سبحانه، وللعبد صفاته التي تليق به؛ صفات يعتريها الفناء والنقص والضعف. |
أما صفات الله سبحانه وتعالى فهي كاملة لا يعتريها نقص ولا ضعف ولا فناء ولا زوال؛ ولهذا قال عز وجل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11] "
فتاوى نور على الدرب – عبد العزيز بن باز - ج 1 ص 66
وقال: "وليس المعنى التشبيه والتمثيل، بل الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق، وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء ومتى شاء، وهكذا خلق الله آدم سميعا بصيرا ذا وجه وذا يد وذا قدم، لكن ليس السمع كالسمع وليس البصر كالبصر، وليس المتكلم كالمتكلم، بل لله صفاته جل وعلا التي تليق بجلاله وعظمته، وللعبد صفاته التي تليق به، صفات يعتريها الفناء والنقص، وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء، ولهذا قال عز وجل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]، وقال سبحانه: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 4]، فلا يجوز ضرب الوجه ولا تقبيح الوجه) "
مجموع الفتاوى – عبد العزيز بن باز - ج 4 ص 226
ولقد جاء ذكر صورة الله تعالى في كتب الرافضة، قال ابن قولويه:
"حدثني ابي رحمه الله، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن محمد بن سنان، عن ابي سعيد القماط، عن ابن ابي يعفور، عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منزل فاطمة (عليها السلام) والحسين في حجره إذ بكى وخر ساجدا ثم قال: يا فاطمة يا بنت محمد ان العلي الاعلى تراءى لي في بيتك هذا في ساعتي هذه في أحسن صورة وأهيا هيئة، وقال لي: يا محمد أتحب الحسين (عليه السلام)، فقلت: نعم قرة عيني وريحانتي وثمرة فؤادي وجلدة ما بين عيني، فقال لي: يا محمد - ووضع يده على رأس الحسين (عليه السلام) - بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله وناصبه وناواه ونازعه، اما انه سيد الشهداء من الاولين والاخرين في الدنيا والاخرة - وذكر الحديث "
كامل الزيارات - ابن قولويه القمي – ص 141 – 142