لقد اشتهر الرافضة - وهم فرقة ضالّة خارجة عن جماعة المسلمين - بالكذب والتدليس على أهل السنة في نقل الأحاديث ونسبتها زورًا إلى العلماء، لتحقيق غاياتهم الباطنية في الطعن بالصحابة ونشر عقائدهم المنحرفة. ومن أبرز أساليبهم في هذا الباب الاستشهاد بتصحيح الإمام الحاكم النيسابوري لأحاديث باطلة تخدم مذهبهم، زاعمين أن الحاكم إمام من أئمة الحديث يُحتجّ بتصحيحه، بينما الواقع أنه كان متساهلًا في التصحيح، بل مال إلى التشيع كما نص على ذلك كبار أئمة الجرح والتعديل.
ولذلك وجب على المسلمين أن يعرفوا حقيقة الحاكم وموقف العلماء من تصحيحاته، حتى لا يُلبّس الرافضة عليهم دينهم، مصداقًا لقوله تعالى:
الشبهة والرد
الشبهة:
يستدل الرافضة بتصحيح الحاكم لأحاديث تخدم مذهبهم، كحديث من كنت مولاه فعلي مولاه، زاعمين أن تصحيح الحاكم دليل على صحتها وأنه إمام معتبر عند أهل السنة.
الرد:
أهل السنة يُفرّقون بين نقل الحاكم للأحاديث وبين أحكامه على صحتها، فالرواية منه مقبولة من حيث الضبط، لكن تصحيحه لا يُعتدّ به، لأنه متساهل ومائل إلى التشيع.
كما أن العلماء - كابن تيمية، والذهبي، وابن القيم - صرّحوا بضعف أحاديثه وتصحيحاته، بل واعتبروا المستدرك مليئًا بالأحاديث الضعيفة والموضوعة.
إذن، استدلال الرافضة بتصحيح الحاكم باطل علميًا ومنهجيًا، ولا يُقبل عند المحدثين.
ميل الحاكم إلى التشيع
◘ قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (17/168): «وكان يميل إلى التشيع».
◘ وقال أبو إسماعيل عبد الله الهروي عن الحاكم: «ثقة في الحديث، رافضيٌّ خبيث».
◘ وقال ابن طاهر: «كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في الظاهر، ولا يعتذر عن ذلك».
بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (1/97):
«إن أهل العلم متفقون على أن الحاكم فيه من التساهل والتسامح في باب التصحيح، حتى أن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني بلا نزاع، بل دون تصحيح أبي حاتم وابن خزيمة، بل دون تصحيح الحافظ المقدسي، فكتابه في هذا الباب خيرٌ من كتاب الحاكم بلا ريب».
شدة تساهله في تصحيح الأحاديث
ذكر ابن القيم في الفروسية (ص245):
«وأما تصحيح الحاكم فكما قال القائل: فأصبحتُ من ليلى – الغداةَ – كقابضٍ على الماءِ خانتهُ فُروجُ الأصابعِ ولا يعبأ الحفاظ بتصحيح الحاكم شيئًا، ولا يعدّونه معيارًا على صحة الحديث، بل يصحّح أحاديث موضوعة بلا شك».
وقد أشار العلماء إلى أن الحاكم كان يصحّح أحاديث يعلم بضعفها، وأحيانًا يصحّح رواياتٍ عن رواةٍ هو نفسه جرحهم في كتبه السابقة.
غفلة الحاكم في آخر عمره
قال الذهبي في ميزان الاعتدال (6/216):
«إمامٌ صدوق، لكنه يصحّح في مستدركه أحاديثَ ساقطة، ويكثر من ذلك. فما أدري، هل خفِيَت عليه؟ وإن عَلِمَ، فهذه خيانة عظيمة. ثم هو شيعيٌّ مشهورٌ بذلك».
وذكر ابن حجر في لسان الميزان (5/232):
«قيل في الاعتذار عنه أنه في أواخر عمره حصل له تغيّر وغفلة، ويدلّ على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء وحكم بترك روايتهم، ثم أخرج لهم في المستدرك وصحّح لهم أحاديث!»
ومن ذلك أنه أخرج حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف جدًا، وكان قد حكم عليه بالوضع من قبل!
أحاديث موضوعة صححها الحاكم
قال إبراهيم بن محمد الأرموي:
«جمع الحاكم أحاديث وزعم أنها على شرط البخاري ومسلم، منها: حديث الطير، وحديث "من كنت مولاه فعلي مولاه". فأنكرها عليه أصحاب الحديث، فلم يلتفتوا إلى قوله».
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/1042):
«سُئل الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصح، ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي ﷺ، ثم تغيّر رأيه فأخرجه في المستدرك».
وهذا التناقض يوضح اضطرابه وغفلته في أواخر حياته.
أخطاء المستدرك وغفلة الحاكم عن الأحاديث الصحيحة
وقع الحاكم في خطأ متكرر، إذ ينفي وجود حديث في الصحيحين وهو فيهما بالفعل!
ومن الأمثلة ما قاله في حديث:
«يقول ابن آدم: مالي مالي...»
قال الحاكم في المستدرك (2/582): «أخرجه مسلم مختصرًا»، ثم أورد الحديث نفسه في موضع آخر (4/358) وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه»!
وهذا التناقض المتكرر يؤكد أن المستدرك كان مسودة غير محررة، مات الحاكم قبل مراجعتها.
رأي العلماء في تقييم الحاكم
قال المعلمي اليماني في التنكيل (2/472):
«ذكرهم للحاكم بالتساهل إنما يخصّونه بالمستدرك، أما كتبه الأخرى في الجرح والتعديل فلم يُغمز فيها. فالتساهل خاص بأحكامه في المستدرك».
إذن فالعلماء يُصحّحون ضبطه للرواية والإسناد، لكنهم يرفضون تصحيحاته للأحاديث في المستدرك جملةً وتفصيلًا.
المصادر
1) سير أعلام النبلاء – الذهبي (17/168).
2) الفتاوى الكبرى – شيخ الإسلام ابن تيمية (1/97).
3) الفروسية – ابن القيم (ص245).
4) ميزان الاعتدال – الذهبي (6/216).
5) لسان الميزان – ابن حجر (5/232).
6) تذكرة الحفاظ – الذهبي (3/1042).
7) التنكيل – المعلمي (2/472).