لم يسلم نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم، من سهام الأكاذيب والافتراءات التي امتلأت بها كتب الشيعة، رغم أن الله رفع ذكره، وأرسله رحمة للعالمين، وفضله على سائر خلقه من ملائكة وأنبياء. فقد نسبوا روايات باطلة تجعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مرتبة أعلى من النبي، بل فوق مقام النبوة، فوصفوه بأنه قسيم الجنة والنار، والعالم بالمنايا والبلايا، والأول والآخر والباطن والظاهر، حتى بلغ بهم الغلو إلى حد ادعاء أن الله خاطب نبيه ليلة المعراج بلسان علي، وأن ذكر النبي لم يُرفع إلا بعلي، وأن ولايته أهم من تبليغ الرسالة نفسها. وزعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُبعث إلا لتبليغ ولاية علي، وأن عباداته ودعواته لا تقبل إلا بحرمة علي، بل صوّروه كأنه في حماية علي منذ طفولته وحتى يوم الغار. هذه الروايات المكذوبة لا تحمل إلا إهانة صريحة لمقام النبي الأعظم، وانتقاصًا من رسالته الخاتمة التي أكمل الله بها الدين، وأتم بها النعمة، فجعلت من النبي صلى الله عليه وسلم تابعًا لعلي، لا العكس. وإن أخطر ما في الأمر أن هذه المفتريات لا تقف عند حدود الغلو، بل تنسف عقيدة الإسلام من أساسها، إذ تجعل ولاية بشر - مهما كان فضله - فوق مقام النبوة والوحي والرسالة. وهكذا يتجلى التطاول الشنيع على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفكر الشيعي، بما يفضح زيف دعواهم في محبة آل البيت، ويكشف أن حقيقتهم إهانة للنبي نفسه الذي جاء بكتاب الله المبين.

تطاول الشيعة على خاتم النبيين

نعم! نبي الله الصادق المصدوق الذي فضله الله على كافة خلقه، ومن فيهم من رسل الله وأوليائه، والذي امتدت رسالته على الكونين، وفرضت إمامته على الثقلين، ونيطت قيادته إلى يوم التناد وأطيلت زعامته إلى ما بعد هذا اليوم، حيث يكون لواء الحمد بيده، وتحته يكون آدم ومن دونه من النجباء والأخيار.

نعم! يهينون هذا النبي الأعظم الذي فضل على الأنبياء والرسل بصفات لم يعطوها، وخصائل لم ينالوها، قالوا فيه:

إن علياً وازن بينه وبين نفسه فقال:

أنا قسيم الجنة والنار وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب العصا والميسم، ولقد أقرت لي جميع الملائكة والرسل بمثل ما أقروا به لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولقد حملت على مثل حمولة الرب، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى فيكسى، وادعى فأكسى، ويستنطق واستنطق - إلى هذا نحن سواء وأما أنا - ولقد أوتيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي. علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني"

["الأصول من الكافي" كتاب الحجة ص196، 197].

فالرسول العظيم عليه الصلاة والسلام يساوي علياً في خصائل، ولم يحصل له خصائل أخرى لأنه بشر، وليس للبشر مهما بلغ شأنه ومقامه أن يتحلى بها ﴿إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي﴾ [سورة الكهف الآية110].

و ﴿إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير﴾ [سورة لقمان الآية 34].

و ﴿لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله﴾ [سورة النمل الآية65].

وأما علي فهو ما فوق النبي لأنه ما فوق البشر، ولعله...؟

معاذاً لله! وفعلاً قالوه حيث ذكروا أنه قال:

أنا وجه الله، وأنا جنب الله، وأنا الأول، وأنا الآخر، وأنا الظاهر، وأنا الباطن، وأنا وارث الأرض، وأنا سبيل اله، وبه عزمت عليه"

[رجال الكشي ص184].

وهذا ليس بمستعبد من القوم لأنهم تعودوا على ذلك، وتجرؤا على تصغير شأن نبي الله صلى الله عليه وسلم مقابل علي رضي الله عنه، ولقد ذكرنا عدة روايات فيما مضى [في الباب الثاني بعنوان "من الأفضل؟ علي، أم نبي"] تبرهن ذلك نستغني عن ذرها ههنا، ونورد ههنا ما لم نوردها سابقاً، فلقد أورد العياشي والحويزي في تفسيريهما رواية تدل على علو مكانة علي فوق النبي صلى الله عليه وسلم، فيكتبان تحت قول الله عز وجل: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين: أن المراد من الصلوات:

"رسول الله أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين، والوسطى أمير المؤمنين"

["تفسير العياشي" ج1 ص128 ط طهران، أيضاً "نور الثقلين" ج1 ص238 ط قم].

وهل هناك إساءة فوق هذا إلى سيد الخلائق ورسول الثقلين صلى الله عليه وسلم؟

نعم! هناك أشنع من هذه وأقبح، ما ذكره الحويزي نقلاً من الصدوق أن الرسول لم يرسل إلا لتبليغ ولاية علي إلى الناس، ولو لم يبلغ ما أمر بتبليغه من ولاية علي لحبط عمله عياذاً بالله -.

وإليك النص: روى الصدوق في "الأمالي" أن رسول الله قال لعلي:

لو لم أبلغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي"

[تفسير "نور الثقلين" ج1 ص654].

ولم لا يكون كذلك؟ والحال أنه لم يرفع ذكره لا يؤاخذنا الله بنقل كفريات القوم إلا بعلي، ولم يوضع عنه وزره إلا به، كما ذكر البحراني عن ابن شهر آشوب تحت قوله: ووضعنا عنك وزرك:

"ثقل مقاتلة الكفار وأهل التأويل بعلي بن أبي طالب عليه السلام"

["البرهان" في تفسير القرآن ج4 ص475].

وعن البرسي ﴿ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك، قرأها النبي صلى الله عليه وسلم، وأثبتها ابن مسعود وانتقصها عثمان"

 ["البرهان" في تفسير القرآن ج4 ص475].

ولأجل ذلك كان رسول الله يدعو الله ويسأله بحرمة علي، كما ينقل البحراني عن السيد رضي من كتابه "المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة" عن ابن مسعود أنه قال:

خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته راكعاً وساجداً وهو يقول: اللهم بحرمة عبدك علي اغفر للعاصين من أمتي - ولم يكتفوا بذلك، بل زادوا في غلوائهم حيث قالوا -: إن النبي خلق من نوره السماوات والأرض، وهو أفضل من السماوات والأرض، ولكن علي خلق من نوره العرش والكرسي، وعلي أجل من العرش والكرسي"

["البرهان" ج4 ص226].

فهذا هو نبي في نظرهم، وذاك هو علي أفضل وأعلى من الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وبالغوا فيه عمداً وقصداً لتقليل مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم، وجاوزوا كل الحدود حتى قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: لما عرج به إلى السماء رأى علياً وأولاده قد وصلوا إليها من قبل، فسلم عليهم وقد فارقهم في الأرض"

["تفسير البرهان" ج2 ص404 نقلاً عن البرسي].

وروى أيضاً عن الصدوق في أماليه أن رسول الله قال:

لما عرج بي إلى السماء دنوت من ربي، حتى كان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى، قال: يا محمد! من تحبه من الخلق؟

قلت: يا رب! علياً، قال: التفت يا محمد! فالتفت عن يساري، فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام" ["تفسير البرهان" ج2 ص404].

وليس هذا، بل وأكثر من ذلك، لما سئل النبي:

"بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟ قال: خاطبني بلغة علي بن أبي طالب، حتى قلت: أنت خاطبتني أم علي؟"

["كشف الغمة" ج1 ص106].

فعلي في كل مقام قبل نبي، فهو قبله في السماء، وقبله عند الرب، وبلغته يخاطبه الله، وبصوته يتكلم، وهو أعلى منه خلقة، وبه رفع ذكره ووضع عنه وزره، وبحرمته أجيبت دعوته، وبقوته وقيت نفسه، وحفظت روحه، وقويت عضده، وقام دينه. وبهذا قال شيعي متحضر معاصر:

بنى الديـن فاستقام ولولا

ضرب ماضيه ما استقام البناء"

["أصل الشيعة وأصولها" لمحمد حسين آل كاشف الغطاء ص68، الطبعة التاسعة].

وقال الآخر: بالشيعة قام الإسلام، وبسيف إمامهم أسس الإسلام وثبتت دعائمه"

["أعيان الشيعة" لمحسن الأمين ج1 الجزء الأول، القسم الأول ص123].

وقبلهما القمي أهان رسول الله العظيم حيث اختلق هذه القصة الباطلة الموضوعة أن رسول الله:

"كان بمكة، ولم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب، وأغروا به الصبيان، وكان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمونه بالحجارة والتراب، فشكى ذلك إلى علي عليه السلام - فانظر إلى التعبير السيئ والإهانة الصريحة لذلك النبي الأشهم، بطل الأبطال، وفارس الفرسان وقائد الشجعان - فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! إذا خرجت فأخرجني معك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أمير المؤمنين عليه السلام، فتعرض الصبيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كعادتهم، فحمل عليهم أمير المؤمنين عليه السلام، فكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم"

["تفسير القمي" ج1 ص114].

ويقولون: إنه هو الذي وقى رسول الله يوم الغار"

 ["نور الثقلين" ج2 ص219].

فعلي هو هو كل شيء ولم يرسل نبي الله محمد خاتم الأنبياء وسيد الرسل إلا ليدعوا الناس إليه ويحببه إلى الناس، وأما نفسه فليس بشيء مقابل علي - نستغفر الله ونتوب إليه من هذه الإهانات والهفوات.

 كما رووا عن ابن بابويه القمي وغيره عن جعفر أنه قال:

عرج بالنبي عليه السلام إلى السماء مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا وقد أوحى الله فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالولاية لعلي أكثر ما أوصاه في سائر الفروض"

 ["مقدمة تفسير البرهان" ص22].

وأيضاً "إن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! ربك يقرئك السلام ويقول: فرضت الصلاة ووضعتها عن المريض، وفرضت الصوم ووضعته عن المريض والمسافر، وفرضت الحج ووضعته عن المقل المدقع وفرضت الزكاة ووضعتها عمن لا يملك النصاب، وجعلت حب علي بن أبي طالب عليه السلام ليس فيه رخصة"

[مقدمة البرهان، نقلاً عن البرقي في محاسنه ص22].

وكذبوا على الله عز وجل أنه قال:

علي بن أبي طالب حجتي على خلقي، ونوري في بلادي، وأميني على علمي لا أدخل النار من عرفه وإن عصاني، ولا أدخل الجنة من أنكره ولو أطاعني"

["البرهان" مقدمة ص23].