من أبشع ما وقفت عليه كتب الشيعة من الأكاذيب والاختلاقات، تلك التي لم تقف عند حد الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عند حدود الادعاء في حق آل البيت الكرام، بل تجاوزت ذلك إلى التطاول الصريح على أنبياء الله ورسله عليهم السلام. فقد نسبوا إلى جعفر الصادق أنه ادعى أعلمية على موسى والخضر، وزعموا أن عليًا رضي الله عنه عند ولادته قرأ صحف آدم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى والقرآن من غير معلم! بل ادعوا أن يوم القيامة ينادى على علي بأنه خليفة الله لا داود عليه السلام، وأن ابتلاء أيوب وحبس يونس في بطن الحوت، ونجاة يوسف من الجب، بل حتى خطيئة داود كل ذلك بسبب ولايتهم لعلي أو التوقف عنها. وزادوا على ذلك أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه كانت بحق محمد وآل بيته، وأن الأنبياء لم يسلموا إلا بقبول هذه الولاية. هذه الروايات المكذوبة لا تحمل إلا الطعن في الأنبياء والمرسلين، والانتقاص من مقاماتهم الشريفة، والتشويه لعقيدة الإسلام النقية. والمفارقة أن أتباع هذه البدع يزعمون أن ذلك بدعوى حب آل البيت وموالاتهم، بينما آل البيت الأطهار براء من هذه الأباطيل التي تخالف صريح القرآن وتكذب ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. إنها روايات ما بين الخرافة والكذب، تظهر حقيقة مذهب لا يعرف للأنبياء حرمة، ولا يوقر لمقامهم قدسية، وصدق الله العظيم: "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا".

التطاول على الأنبياء

وإن القوم لم يتقولوا بمثل هذه الأقاويل، ولم يتفوهوا بمثل هذه الترهات ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب، بل قالوا بمثل هذه المقالات وأكثر بخصوص رسل الله السابقين وأنبيائه والمرسلين، فلقد تجرؤا على موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام حيث قالوا: إن جعفر كان أعلم منهما.

 فلقد أورد الكليني عن سيف التمار أنه قال:

كنا مع أبي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر، فقال: علينا عين؟ فالتفتنا يمنة ويسرة، فلم نر أحداً، فقلنا: ليس علينا عين، فقال: ورب الكعبة! ورب البنية! ثلاث مرات لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما، ولأنبئتهما بما ليس في أيديهما"

["الأصول من الكافي" كتاب الحجة ج1 ص261].

وأهانوا أولي العزم من الرسل، واختلقوا قصة غريبة، فقالوا: إن علياً لما ولد، ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولكنه رآه ماثلاً بين يديه، واضعاً يده اليمنى في أذنه اليمنى وهو يؤذن ويقيم بالحنفية، ويشهد بواحدانية الله وبرسالته وهو مولود ذلك اليوم، ثم قال لرسول الله: اقرأ؟ فقال له: اقرأ وبعده النص حرفياً -:

 

 

لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله عز وجل على آدم، فقام بها شيث فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها، حتى لو حضر بها شيث لأقر له إنه أحفظ له منه، ثم قرأ توراة موسى، حتى لو حضره موسى لأقر بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ زبور داؤد، حتى لو حضره داؤد لأقر بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ إنجيل عيسى، حتى لو حضره عيسى لأقر بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ القرآن، فوجدته يحفظ كحفظي له الساعة من غير أن أسمع منه آية"

["روضة الواعظين" ص84].

﴿كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً.

هذا ولقد قالوا إنه ينادي مناد يوم القيامة:

"أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم داؤد عليه الصلاة السلام، فيأتي النداء من عند الله عز وجل: لسنا إياك أردنا، وإن كنت لله خليفة، ثم ينادي (مناد) أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة السلام، فيأتي النداء من قبل الله عز وجل: يا معشر الخلائق! هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه، وحجته على عباده"

["كشف الغمة" ج1 ص141].

وأهانوا رسل الله وأنبيائه حيث قالوا: إن نبي الله أيوب لم تتغير نعمة الله عليه إلا لإنكاره ولاية علي، كذلك صفي الله يونس عليه السلام لم يحبس في بطن الحوت إلا لإنكاره أيضاً، وكذلك يوسف وقبله آدم عليهما السلام.

فأورد الحويزي رواية في تفسيره أنه قال:

دخل عبد الله بن عمر على زين العابدين، فقال:

يا ابن الحسين! أنت الذي تقول: إن يونس بن متى إنما لقي من الحوت ما لقي، لأنه عرضت عليه ولاية جدي، فتوقف عندها؟ قال: بلى! ثكلتك أمك، قال: فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين؟ فأمر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة، ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا، فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه، فقال ابن عمر:

يا سيدي! دمي في رقبتك، الله الله في نفسي، فقال: هنيئة واريه إن كنت من الصادقين؟ ثم قال: يا أيتها الحوت! قال: فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول" لبيك لبيك يا ولي الله! فقال: من أنت؟ قال: حوت يونس يا سيدي! قال: ايتنا بالخبر، قال: يا سيدي! إن الله تعالى لم يبعث نبياً من آدم إلى أن صار جدك محمد إلا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت، فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلص، ومن توقف عنها وتتعتع في حملها لقي ما لقي آدم من المصيبة، وما لقي نوح من الغرق، وما لقي إبراهيم من النار، وما لقي يوسف من الجب، وما لقي أيوب من البلاء. وما لقي داؤد من الخطيئة، إلى أن بعث الله يونس فأوحى الله إليه أن يا يونس! تول أمير المؤمنين"

["تفسير نور الثقلين" ج3 ص435].

ومثلها أورد البحراني في مقدمة تفسيره "البرهان" عن سلمان أنه قال لعلي رضي الله عنه:

بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفان! أنت حجة الله الذي به تاب على آدم، وبك أنجى يوسف من الجب، وأنت قصة أيوب وسبب تغيير نعمة الله عليه"

["البرهان" مقدمة ص27].

ونقل عن "معاني الأخبار" أن أبا عبد الله سئل عن قول علي رضي الله عنه: إن أمرنا صعب مستعصب، لا يقر به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فقال:

إن في الملائكة مقربين وغير مقربين، ومن الأنبياء مرسلين وغير مرسلين، ومن المؤمنين ممتحنين وغير ممتحنين، فعرض أمركم على الملائكة فلم يقر به إلا المقربون، وعرض على الأنبياء فلم يقر به إلا المرسلون، وعرض على المؤمنين فلم يقر به إلا الممتحنون"

["مقدمة البرهان" ص26].

وكتبوا عن أبي الأنبياء آدم صلوات الله وسلامه عليه "أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، فتاب عليه، هي سؤاله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين"

["كتاب الخصال" لابن بابويه القمي ج1 ص270 تحت عنوان "الكلمات التي تلقاها آدم من ربه"].

فهذه هي عقيدة القوم التي يكنونها في صدورهم، ويخفونها في كتبهم، وهذه هي الإهانات التي يوجهونها إلى نجباء الله وأصفيائه، رسل الله وأنبيائه مع من فيهم سيد الرسل والأنبياء وإمام المرسلين بدعوى حب أهل البيت وموالاتهم.