الشبهة:
قولهم أن عثمان وهب لأهل بيته وأقاربه كثيراً من المال، وصرف من بيت المال مصارف كثيرة في غير محلها مما يدل على إسرافه، كما أعطى الحكم مائة ألف درهم وأعطى مروان خمس إفريقية[1] وخالد بن سيد بن العاص ثلاث مائة ألف درهم وذلك لما جاء من مكة، إلى غير ذلك من الإسراف الوافر والبذل المتكاثر، ومن كان بهذه الأحوال كيف يستحق الإمامة من بين الرجال.
والجواب:
- على فرض التسليم - أن عثمان رضي الله عنه بذل ذلك من كيسه لا من بيت المال، فإنه كان من المتمولين قبل أن يكون خليفة، ومن راجع كتب السير أقر بهذا الأمر، فقد كان رضي الله عنه يعتق في كل جمعة رقبة، ويضيف المهاجرين والأنصار، ويطعمهم في كل يوم، قد روي عن الإمام الحسن البصري أنه قال: «إني شهدت منادي عثمان ينادي: «يا أيها الناس أغدوا على أعطياتكم «فيغدون فيأخذونها وافرة «يا أيها الناس أغدوا على رزقكم» فيغدون فيأخذونها وافية حتى والله لقد سمعته أذناي يقول: «أغدوا على كسوتكم «فيأخذون الحلل»[2].
مقالات السقيفة ذات صلة: |
الطعن في أبو بكر والفاروق وذي النورين وأمهات المؤمنين الطعن في الصحابة وتفضيل علي على النبي ﷺ |
ومن راجع كتب التواريخ علم درجة عثمان رضي الله عنه، ولم ينقل عن أحد أن الإنفاق في سبيل الله تعالى موجب للطعن[3].
والذي صح في ابن أبي السرح هو إعطاؤه خمس الخمس لعبد الله بن أبي سرح جزاء جهاده، ثم عاد فاسترده منه.
وقد جاء في حوادث سنة (27هـ) من تاريخ الطبري أن عثمان لما أمر عبد الله بن سعد بن أبي السرح بالزحف من مصر على تونس لفتحها قال له: (إن فتح الله عليك غداً إفريقية فلك مما أفاء الله على المسلمين من الغنيمة نفلاً) فخرج بجيشه حتى قطعوا أرض مصر وأوغلوا في أرض أفريقية وفتحوها سهلها وجبلها، وقسم عبد الله على الجند ما أفاء الله عليهم وأخذ الخمس وبعث أربعة أخماسه إلى عثمان مع وثيمة النصري، فشكا وفد ممن معه ما أخذه عبد الله بن سعد، فقال لهم عثمان: أنا أمرت له بذلك، فإن سخطتم فهو رد، قالوا: إنا نسخطه، فأمر عثمان عبد الله بن سعد بأن يرده فرده، ورجع عبد الله بن سعد إلى مصر وقد فتح إفريقية وقد ثبت في السنة تنفيل أهل الغناء والبأس في الجهاد، كما فعل النبي [4].
[1] هو خمس الخمس لا الخمس، وقد أعطاه لعبد الله بن سعد فاتح إفريقية لا لمروان، وقد علمت مما نفلناه آنفاً عن الطبري أنه استرجعه من عبد الله بن سعد.
[2] معجم الطبراني الكبير (1/87) (131)، الاستيعاب (3/1041).
[3] قال الطبري في تاريخه (5/103): (كان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية، وجعل ولده كبعض من يعطي، فبدأ ببني أبى العاص فأعطي آل الحكم رجالهم عشرة آلاف عشرة آلاف، فأخذوا مائة ألف، وأعطى بني عثمان مثل ذلك، وقسم في بني العاص وبني العيص وفي بني حرب. وقد أشار عثمان إلى ذلك في خطبته المشهورة على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رداً على زعماء الفتنة والبغاة عليه فقال: وقالوا: إنى أحب أهل بيتي وأعطيهم، فأما حبي لهم فإنه لم يمل معهم على جور، بل أحمل الحقوق عليهم. وأما إعطاؤهم فإني إنما أعطيهم من مالي، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس. وقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر، وأنا يومئذ شحيح حريص، أفحين أتت على أسنان أهل بيتي وفنى عمري وودعت الذي لي في أهلي قال الملحدون ما قالوا؟). نعم إن عثمان يود ذوي قرابته، ومودته لهم من فضائله، وهم لذلك أهل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما استعان برجال من عشيرة ولا ولى عدداً من فريق بقدر ما استعان برجال بني أمية وولى أموره لرجالهم. وحتى بلدة مكة ولاها لفتى من فتيانهم، وكان هو وكان بقية هؤلاء الرجال الأماجد عند حسن ظنه بهم، وكذلك كانوا مدة أبي بكر وعمر وعثمان وفي كل زمان ومكان إلا النادر منهم، وما هم بمعصومين. وهذا الخلق الكريم في مودة عثمان لذوي رحمه أثنى عليه به علي فقال: (إن عثمان أوصل الصحابة للرحم) وعلي أعرف الناس بابن عمه عثمان وكان عثمان وعلي في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شديدي الصلة والمحبة فيما بينهما، وكان الناس يحملون ذلك على أنهما من بني عبد مناف.
[4] انظر: المنتقى للمجد ابن تيمية (4314) وفي غزوات أخرى (4319، 4321).