رغم كل ما مر لم يَسلم عثمان رضي الله عنه من الذين حاولوا أن يشوّهوا حقيقة التاريخ بالطعن فيه، ونحن نورد هنا بعض شبهات هؤلاء ونرد عليها.

الادّعاء بأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على قتل عثمان:

قالوا: أن قتلة عثمان بالدرجة الأولى هم الصحابة أنفسهم وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادي بقتله وإباحة دمه على رؤوس الأشهاد فكانت تقول: «اقتلوا نعثلاً فقد كفر».

 كذلك نجد طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وغيرهم من مشاهير الصحابة وقد حاصروه ومنعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقالة، ويحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثته في مقابر المسلمين فدفن في «حش كوكب» بدون غسل ولا كفن، سبحان الله، كيف يقال أنه قتل مظلوماً وأن الذين قتلوه ليسوا مسلمين، وهذه القضية هي الأخرى كقضية فاطمة وأبي بكر، فأمّا أن يكون عثمان مظلوماً وعند ذلك نحكم على الصحابة الذين قتلوه أو شاركوا قتله بأنهم قتلة مجرمون لأنهم قتلوا خليفة المسلمين ظلماً وعدواناً وتتبعوا جنازته يحصبونها بالحجارة وأهانوه حياً وميتاً أو أن هؤلاء الصحابة استباحوا قتل عثمان لما اقترفه من أفعال تتنافى مع الإسلام كما جاء ذلك في كتب التاريخ، وليس هناك احتمال وسط إلا إذا كذّبنا التاريخ وأخذنا بالتمويه «بأن المصريين وهم كفرة هم الذين قتلوه» «!!» وفي كلا الاحتمالين نفيٌ قاطع لمقولة عدالة الصحابة أجمعين دون استثناء، فإمّا أن يكون عثمان غير عادل أو يكون قتلته غير عدول، وكلّهم من الصحابة وبذلك نبطل دعوى عدالتهم.

الرد:

1- أمّا القول: (أن قتلة عثمان بالدرجة الأولى هم الصحابة أنفسهم) فهذا مما لا يشك عاقل في كذبه ورده، فالصحابة رضوان الله عليهم لم يشاركوا في قتل عثمان، ولم يرضوا بذلك أصلاً، بل على العكس من ذلك فإنهم دافعوا عنه ووقفوا بجانبه ولكنه رضي الله عنه خشي الفتنة فمنعهم من الدفاع عنه، ولأنه كان يعلم أنه سيقتل مظلوماً كما أعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ذكر الفتنة فقال: (يقتل فيها هذا مظلوماً) يعني: عثمان رضي الله عنه..

وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري في جزء منه (... ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة ثم قال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه، فإذا عثمان بن عفان)[1].

وقد شارك خيار الصحابة في الدفاع عن عثمان وأعلنوا غضبهم لقتله، فهذا علي رضي الله عنه يرفع يديه يدعو على القتلة فعن عبد الرحمن بن ليلى قال: «رأيت علياً رافعاً حضينه يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان».

وعن عميرة بن سعد قال:

«كنا مع علي على شاطئ الفرات، فمرت سفينة مرفوع شراعها، فقال علي رضي الله عنه: يقول الله عزوجل: ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾ [الرحمن:24] والذي أنشأها في بحر من بحاره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله»[2].

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:

«أن علياًّ أرسل إلى عثمان: إنَّ معي خمسمائة ذراع، فأذن لي فأمنعك من القوم، فإنك تحدث شيئاً يستحلّ به دمك. قال أي عثمان: جزيت خيراً، ما أحب أن يهراق دم في سببي»[3].

حتى أولاد علي وأولاد الصحابة رضي الله عنهم شاركوا في الدفاع عن عثمان فعن محمد بن سيرين قال: «انطلق الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان كلهم شاكي السلاح حتى دخلوا الدار، فقال عثمان: اعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم»[4].

وعن كنانة مولى صفية قال:

 «شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم، محمولين، كانوا يدرأون عن عثمان رضي الله عنه: الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن حكم»[5].

وعن سلمة بن عبد الرحمن «أن أبا قتادة الأنصاري ورجلاً آخر معه من الأنصار دخلا على عثمان وهو محصور فاستأذن في الحج فأذن لهما ثم قالا: مع من تكون إن ظهر هؤلاء القوم؟ قال: عليكم بالجماعة. قالا: أرأيت إن أصابك هؤلاء القوم وكانت الجماعة فيهم. قال: الزموا الجماعة حيث كانت. قال: فخرجنا من عنده فلما بلغنا باب الدار لقينا الحسن بن علي داخلاً، فرجعنا على أثر الحسن لننظر ما يريد، فلما دخل الحسن عليه قال: يا أمير المؤمنين إنا طوع يدك، فمرني بما شئت. فقال له عثمان: يا ابن أخي ارجع فاجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره فلا حاجة لي في هراقة الدماء»[6].

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الله بن الزبير قال: «قلت لعثمان يوم الدار: اخرج فقاتلهم، فإن معك من قد نصر الله بأقل منه، والله قتالهم لحلال، قال: فأبى»[7].

وفي رواية أخرى لابن الزبير: «لقد أحل الله لك قتالهم، فقال عثمان: لا والله لا أقاتلهم أبداً»[8].

(وقد لبس ابن عمر درعه مرتين يوم الدار وتقلد سيفه حتى عزم عليه عثمان أن يخرج مخافة أن يقتل)[9].

وروي الخياط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قلت لعثمان: اليوم طاب الضرب معك، قال: اعزم عليك لتخرجن»[10].

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال:

«جاء زيد بن ثابت إلى عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب، قالوا: إن شئت أن نكون أنصار الله مرتين، قال: أما قتال فلا»[11].

وعن قيس بن أبي حازم قال:

سمعت سعيد بن زيد يقول: «والله لو أن أحداً انقضّ فيما فعلتم في ابن عفان كان محقوقاً أن ينقضّ»[12].

وعن خالد بن الربيع العبسي قال:

 «سمعنا بوجع حذيفة، فركب إليه أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه في نفر أنا فيهم إلى المدائن، قال: ثم ذكر قتل عثمان، فقال: اللهم إني لم أشهد، ولم أقتل، ولم أرض»[13].

وعن جندب بن عبد الله أنه لقي حذيفة فذكر له أمير المؤمنين عثمان فقال: «أما أنهم سيقتلونه! قال: قلت فأين هو؟ قال: في الجنة، قلت: فأين قاتلوه؟ قال: في النار»[14].

وروى ابن كثير في البداية والنهاية عن أبي بكرة قال: «لأن أخرّ من السماء إلى الأرض أحبَّ إليَّ من أن أشرَك في قتل عثمان»[15].

وعن ابن عثمان النهدي قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: «إن قتل عثمان رضي الله عنه لو كان هدًى احتلبت به الأمة لبناً، ولكنه كان ضلالاً فاحتلبت به دماً»[16].

وعن كلثوم بن عامر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما سرّني أني رميت عثمان بسهم أصاب أم أخطأ وأن لي مثل أحد ذهباً»[17].

وروى ابن شبة بإسناد إلى ريطة مولاة أسامة بن زيد قالت: «بعثني أسامة إلى عثمان يقول: فإن أحببت نقبنا لك الدار وخرجت حتى تلحق بمأمنك يقاتل من أطاعك من عصاك»[18].

وأخرج البخاري عن حارثة بن النعمان شهد بدراً قال لعثمان وهو محصور: «إن شئت أن نقاتل دونك»[19].

وأخرج أحمد في فضائل الصحابة عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: «لا تقتلوا عثمان فإنكم إن فعلتم لم تصلُّوا جميعاً أبداً»[20].

وروى ابن عساكر في تاريخه أن سمرة بن الجندب قال: «إن الإسلام كان في حصن حصين، وإنهم ثلموا في الإسلام ثلمة بقتلهم عثمان، وأنهم شرطوا شرطة، وإنهم لن يسدّوا ثلمتهم إلى يوم القيامة، وإن أهل المدينة كانت فيهم الخلافة فأخرجوها ولم تعد فيهم»[21].

وعن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر قال:

 «لقيت ابن عباس وكان خليفة عثمان على موسم الحج عام قتل فأخبرته بقتله، فعظّم أمره وقال: والله إنه لمن الذين يأمرون بالقسط، فتمَنّيتُ أن أكون قتلت يومئذ»[22].

وبعد هذا السرد لموقف الصحابة العظيم من مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه نعلم جيداً أنهم لم يشاركوا ولم يرضوا بقتل هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه. ويغنينا هذا عن سرد بقية تفاصيل الشبهة والمتعلقة بموقف آحاد الصحابة رضي الله عنهم[23].

وقد ورد من طرق الإمامية ما يؤكد هذا. فهذا المسعودي يقول في كتابه مروج الذهب: (... فلما بلغ علياً أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين مع مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته، وأمرهم أن يمنعوه منهم، وبعث الزبير ابنه عبد الله، وبعث طلحة ابنه محمداً، وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بمن ذكرنا، فصدّوهم عن الدار)[24].

 

---------------------------------------------------------------------

[1] صحيح البخاري برقم (3695).

[2] تاريخ المدينة (2/276).

[3] تاريخ دمشق (ص403).

[4] تاريخ خليفة الخياط (ص174).

[5] الاستيعاب (3/1064).

[6] الفضائل لأحمد (1/464-465) رقم (753).

[7] مصنف ابن أبي شيبة (1/681-682).

[8] طبقات ابن سعد (3/70).

[9] تاريخ دمشق (39/393).

[10] تاريخ خليفة الخياط (ص38).

[11] مصنف ابن أبي شيبة (37082)، السنة للخلال (2/333).

[12] أخرجه البخاري برقم (3867).

[13] تاريخ دمشق (39/479).

[14] تاريخ دمشق (39/382).

[15] البداية والنهاية (7/194).

[16] تاريخ المدينة (4/1245).

[17] مصنف ابن أبي شيبة (32058)، معجم الطبراني الكبير (9/169) (8838)، تاريخ دمشق (3/355).

[18] تاريخ المدينة (3/1211).

[19] التاريخ الصغير (1/76/)، تاريخ دمشق (39/397).

[20] فضائل الصحابة (1/474).

[21] تاريخ دمشق (39/483).

[22] المصدر السابق (39/219).

[23] راجع التفاصيل في إصدارنا "دفاعاً عن الآل والأصحاب". الأصل او المختصر.

[24] مروج الذهب (2/344-345).