لم يسلم الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه من سهام الطاعنين عبر التاريخ، حيث نسجوا حوله شبهات متعددة للطعن في عدالته وصلاحيته للخلافة، ومن ذلك اتهامه بإرجاع الحكم بن أبي العاص (أبي مروان) إلى المدينة بعد أن أخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد استغل المغرضون هذه الحادثة للنيل من مكانة عثمان، دون النظر في السياق التاريخي والشرعي الذي يبين بوضوح بطلان هذه الدعوى، وأن ما فعله عثمان رضي الله عنه له وجوه شرعية معتبرة.
شبهة إرجاعه للحكم:
قولهم أن عثمان أدخل الحكم (أبا مروان) بن العاص المدينة وقد أخرجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
مقالات السقيفة ذات صلة: |
الطعن في أبو بكر والفاروق وذي النورين وأمهات المؤمنين الطعن في الصحابة وتفضيل علي على النبي ﷺ |
والجواب:
أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنما أخرجه من المدينة – إن صحت القصة - لحبه المنافقين وتهيجه الفتن بين المسلمين ومعاونته الكفار، ولما زال الكفر والنفاق بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم وقوى الإسلام في خلافة الشيخين لم يبق محذور من إرجاعه إليها.
ومعلوم أن (الحكم إذا علل بعلة ثم زالت زال)[1].
وعدم إرجاع الشيخين رضي الله عنهما إياه لما حصل عندهما من ظن بقائه على ما كان عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد ارتفع ذلك عن عثمان زمن خلافته؛ لأن الحكم كان ابن أخيه، على أن عثمان قال: إني كنت أخذت الإذن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرض موته على دخول الحكم المدينة وعدم قبول أبي بكر ذلك منى لطلبه شاهداً آخر على إذنه صلى الله عليه وآله وسلم له بالدخول المدينة. وكذلك عمر. ولما أدت النوبة إلي عملت بما علمت.
وأيضاً قد ثبت أن الحكم قد تاب في آخر عمره من النفاق ومما كان يفعله من التزوير والاختلاق.
[1] قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (3/196): (قصة نفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحكم ليست في الصحاح، ولا لها في إسناد يعرف به أمرها). ثم قال: (لم تكن الطلقاء تسكن بالمدينة فإن كان صلى الله عليه وآله وسلم طرده فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة. وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه وقالوا: هو ذهب باختياره. وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عزر رجلاً بالنفي لم يلزم أن يبقى منفياً طوال الزمان، فإن هذا لا يعرف في شيء من الذنوب، ولم تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفياً دائماً ) إلى أن قال: ( وقصة الحكم فإنما ذكرت مرسلة، وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه، فلم يكن هناك نقل ثابت يوجب القدح فيمن هو دون عثمان، والمعلوم من فضائل عثمان، ومحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم له وثنائه عليه، وتخصيصه بابنتيه وشهادته له بالجنة، وإرساله إلى مكة (أى في حادث الحديبية) ومبايعته له عنه (أى: بيعة الرضوان)، وتقديم الصحابة له في الخلافة، وشهادة عمر وغيره له بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات وهو عنه راض، وأمثال ذلك مما يوجب العلم القطعي بأنه من كبار أولياء الله المتقين الذين ي ورضوا عنه. فلا يدفع هذا بنقل لا يثبت إسناده ولا يعرف كيف وقع، ويجعل لعثمان ذنب لا تعرف حقيقته … إلخ). وانظر أيضاً (3/235 - 236) من منهاج السنة. وتحقيق الإمام ابن حزم في كتاب الفصل (4/154)، وما نقله مجتهد اليمن محمد بن إبراهيم الوزير في كتابه (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم) (1/141 – 142) عن الحاكم المحسن بن كرامة المعتزلي المتشيع أن رسول الله ص أذن لعثمان في رد الحكم. وترى تفصيل ذلك في العواصم من القواصم (ص:77 – 79) للقاضي أبي بكر بن العربي والتعليقات عليه.