العصمة بين دعوى الشيعة وبراهين القرآن:

يطرح الشيعة الإمامية عقيدة العصمة على أنها أصل من أصول مذهبهم، ويزعمون أن الأنبياء والأئمة معصومون من كل ذنب صغير أو كبير، بل ومن السهو والنسيان والخطأ، منذ ولادتهم حتى وفاتهم. ويعدّون ذلك من ضروريات مذهبهم التي لا تقبل الجدل. غير أن النظر في القرآن والسنة، وفي أقوال أئمتهم أنفسهم، يكشف أن هذه العقيدة لا أصل لها، وأن استدلالهم بآية التطهير على العصمة استدلال باطل. إذ إن لفظ "الرجس" في القرآن استعمل في معانٍ متعددة كالكفر، والشك، والنجاسة، ولم يرد قط بمعنى العصمة. كما أن روايات منسوبة إلى الباقر والصادق صرحت بأن "الرجس" هو الشك، مما يقطع الطريق على محاولة إلصاق معنى العصمة بالنص القرآني. ومن هنا فإن دعوى العصمة للأئمة مجرد بناء مذهبي لا يعضده نص صريح، بل تخالفه النصوص نفسها.

عقيدة الشيعة في العصمة:

لنشرع الآن في الكلام عن العصمة، ولكن قبل ذلك دعنا نبين عقيدة القوم في العصمة:

يقول الصدوق: إن جميع الأنبياء والرسل والأئمة أفضل من الملائكة، وأنهم مطهرون من كل دنس ورجس لا يهمون بذنب صغير ولا كبير ولا يرتكبونه[1].

ويقول: اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة صلوات الله عليهم أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، واعتقادنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم إلى أواخرها، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا جهل[2].

ويقول علم الهدى:

 لا يجوز عليهم شيء من المعاصي والذنوب كبيراً كان أو صغيراً لا قبل النبوة ولا بعدها[3].

ويقول المفيد:

 الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم مِن بعدِهم معصومون في حال نبوتهم وإمامتهم من الكبائر والصغائر كلها[4].

ويقول المجلسي:

الإمامية أجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمة من الذنوب الصغيرة والكبيرة عمداً وخطأً ونسياناً قبل النبوة والإمامة وبعدها، بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه[5].

وعد ذلك من ضروريات مذهب الإمامية[6]

 

ويقول: اعلم أن الإمامية اتفقوا على عصمة الأئمة من الذنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلاً، لا عمداً ولا نسياناً ولا لخطأ في التأويل ولا للإسهاء من الله سبحانه[7].

ويقول المظفر:

ونعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، عمداً وسهواً، كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان([8]).

وعلى هذا القول سائر الإمامية مما يغنينا عن ذكر أقوالهم جميعاً.

بيان معنى الرجس:

يزعم القوم أن نفي الرجس في آية التطهير دال وموجب للقول بعصمة الأئمة.

وقد رُدَّ على ذلك من وجوه عقلية كثيرة، ليس هذا الكتاب مكان ذكرها، ولكننا سنقتصر على إيراد النصوص الدالة على خلاف هذا القول، فهو أبلغ في المقصود كما سترى، ونبدأ قبل ذلك بإيراد معنى الرجس الذي في الآية والذي هو موضوع حديثنا، فنقول:

وردت كلمة الرجس في القرآن في مواضع عدة، كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90].

وقوله: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125].

وقولـه: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145].

وقولـه: ﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ [الأعراف:71].

وقولـه: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ [التوبة:95].

وقولـه: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة:125].

وقولـه: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [يونس:100].

وقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30].

وليس فيما أوردناه من الآيات دليل على حمل مفهوم الرجس على الدلالة الموجبة للعصمة كما يدعيها هؤلاء في آية التطهير.

ويؤيد ذلك أيضاً روايات ذكرها القوم عن الأئمة في ذلك منها:

قول الصادق في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ [الأحزاب:33] قال: الرجس هو الشك[9].

وقول الباقر:

 الرجس هو الشك، والله لا نشك في ربنا

وفي رواية: في ديننا، وفي أخرى: في الله الحق ودينه- أبداً[10].

وقول الصادق في قولـه تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125]، قال: هو الشك[11].

فهل ترى في هذه الروايات أو تلك الآيات ما يستوجب القول بالعصمة التي يراها القوم لأئمتهم؟ لا شك أنهم سيأبون هذا التأويل.

لذا لا نرى بداً من أن نورد عليهم ما ينافي تلك العصمة المزعومة، ففي ذلك غنىً عن كل كلام وترفع عن أي خصام، ولك بعدها أن تحكم بنفسك.

 

[1] أمالي الصدوق: (620)، البحار: (10/393)، إرشاد القلوب: (1/19)، غرر الحكم: (119).

[2] اعتقادات الصدوق: (99)، البحار: (11/72) (17/96) (25/211)، قصص الأنبياء، للجزائري: (28)، عقائد الإمامية، للزنجاني: (158).

[3] تنزيه الأنبياء: (2).

[4] تصحيح الاعتقاد: (60)، البحار: (17/96).

[5] البحار: (17/108) (25/350).

[6] البحار: (11/91).

[7] البحار: (11/90) (25/209).

([8]) عقائد الإمامية لمحمد رضا المظفر: (91).

[9] معاني الأخبار:(138)، البحار: (19/287) (23/208) (35/208) (76/30) (72/152)، البرهان:(3/321)، وانظر أيضاً: نور الثقلين:(4/273، 274)، العياشي:(1/406)، البرهان:(1/553).

[10] العياشي:(1/277)، البحار: (10/139) (23/203) (35/212) (57/141) (72/152)، أمالي الطوسي: (573)، البرهان: (1/385) (3/309، 310، 316)، الكافي: (1/288)، نور الثقلين: (2/171) (4/277).

[11] تفسير العياشي:(1/406)، البحار:(72/128)، البرهان:(1/553)، الصافي: (1/550)، وانظر أيضاً: نور الثقلين: (2/138، 286).