من الأحاديث الصحيحة التي وردت في "الصحيحين" وغيرهما، قصة مجيء ملك الموت إلى نبي الله موسى عليه السلام، فلطمه موسى وفقأ عينه، ثم أعاده الله كما كان. هذا الحديث كان مثار جدل عند بعض الطوائف، حيث استنكر الشيعة الروافض صحته بحجة أنه لا يليق بمقام الأنبياء. غير أن النظر في القرآن الكريم والسنة الصحيحة يثبت أن هذا الأمر لا يخرج عن طبيعة موسى عليه السلام الذي وصفه الله بالشدة والقوة، حتى إنه وكز رجلاً فقتله. كما أن تمثل الملائكة في صورة البشر ثابت في نصوص الوحي، وقد يلتبس على الأنبياء أمرهم في أول اللقاء، كما وقع لإبراهيم ولوط ومريم عليهم السلام. ومن هنا فإن الحديث لا يتعارض مع عصمة الأنبياء ولا مع مقامهم، بل يكشف جانباً من طبيعة موسى البشرية وقوة غيرته. المقال يعرض نص الحديث، اعتراضات الشيعة عليه، وردود العلماء من أهل السنة، مع ذكر الشواهد من كتبهم التي تروي القصة نفسها.
أرسل ملك الموت إلى موسى فلطمه فلما (جاءه صكه (لطمه) ففقأ عينه) الحديث.
هو من حديث أبي هريرة، رواه البخاري (3407) ومسلم (2372) وعنده زيادة (ففقأ عينه).
قد استنكره الروافض وقالوا:
هذا لا يليق بنبي أن يغضب فيبطش بطش الجبارين. ولكن القرآن يثبت لموسى أنه لطم رجلا فقتله ثم قال ﴿إن هذا من عمل الشيطان﴾.
فهل يحكي القرآن خرافة لا تليق بالأنبياء؟
بل الرواية مثبتة في كتبهم كما في كتاب لآلئ الأخبار للتويسركاني ص91 والأنوار النعمانية4/ 205 واستدل به الكاشاني على «أن الطباع البشرية مجبولة على كراهة الموت مطبوعة عن النفور منه. وقصة آدم - عليه السلام - مع طول عمره وإمداد أيام حياته مع داود مشهورة، وكذلك حكاية موسى - عليه السلام - مع ملك الموت» (المحجة البيضاء4/ 209).
يقول الإمام ابن حجر:
«إن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه إليه اختيارا. وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدمياً دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت... وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه» (فتح الباري6/ 510).
مقالات السقيفة ذات صلة:
تفسير قوله: ﴿إِن...... يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ على منهج أهل السنة
شبهة: ثم استوى على العرش في قوله:"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ") …
التفسير الشيعي لآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾
وثبت بالكتاب والسنة أن الملائكة يتمثلون في صور الرجال، وقد يراهم كذلك بعض الأنبياء فيظنهم من بني آدم كما في قصتهم مع إبراهيم ومع لوط عليهما السلام، واقرأ من سورة هود الآيات 69 - 80، وقال في مريم عليها السلام ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فََتمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ [مريم /17].
وانظر كلام الشراح في بيان معناه، مثل شرح مسلم للنووي (15/ 128) وفتح الباري لابن حجر (6/ 441).
روى نعمة الله الجزائري ومحمد نبي التويسيركاني ما نصه:
«وقد كان موسى عليه السلام أشدّ الأنبياء كراهة للموت، قد روى إنه لما جاء ملك الموت، ليقبض روحه، فلطمه فأعور، فقال يارب إنك أرسلتني إلى عبد لا يحب الموت، فأوحى الله إليه أن ضع يدك على متن ثور ولك بكل شعرة دارتها يدك سنة، فقال: ثم ماذا؟ فقال الموت، فقال الموتة، فقال أنته إلى أمر ربك»
(لئالئ الاخبار1/91 الانوار النعمانية4/205).