إن من أعظم ما ابتُليت به الأمة الإسلامية هو الطعن في كتاب الله، والتشكيك في نصوصه الثابتة المتواترة، ولعل من أكثر الطوائف التي تورطت في هذه الجريمة العظيمة، هم الشيعة الإمامية الاثني عشرية، الذين نسبوا إلى أئمتهم القول بتحريف بعض آيات القرآن الكريم، ومنها آية الطاعة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].

وذلك لما تتضمنه الآية من دلالة صريحة على طاعة ولي الأمر، دون أن تُخصِّص تلك الطاعة بأشخاص معينين، كما تزعم الإمامية الذين يحصرون أولي الأمر في أئمتهم المعصومين.

ولما كانت هذه الآية لا تخدم غلوهم في فكرة الإمامة والوصاية، لجأ بعضهم إلى القول بالتحريف تلميحًا وتصريحًا، كما ورد في كتبهم المعتمدة.

أولًا: النصوص التي تزعم التحريف

في كتاب "الكافي" لأبي جعفر الكليني -وهو من أهم مصادر الحديث عند الشيعة- نقرأ الرواية التالية:

عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد بن معاوية، قال: تلا أبو جعفر عليه السلام: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن خفتم تنازعًا في الأمر فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم﴾، ثم قال: كيف يأمر بطاعتهم ويرخص في منازعتهم؟ إنما قال ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول... [الكافي، ج8، ص 184 185].

وقد صحّح هذه الرواية محمد باقر المجلسي في كتابه "مرآة العقول" وقال عنها: "حسن" [مرآة العقول، ج26، ص77].

ثانيًا: تصريح المجلسي بالتحريف

المجلسي يعلق على هذه الرواية قائلًا:

"وظاهر كثير من الأخبار أن قوله: (وأولي الأمر منكم) كان مثبتًا هنا فأسقط" [مرآة العقول، ج26، ص77].

ثم يقول في موضع آخر:

"وأما قوله: (وإلى أولي الأمر منكم)، فالظاهر أنه كان في قرآنهم عليهم السلام هكذا فأسقطه عثمان لقوله عليه السلام: كذا نزلت..." [مرآة العقول، ج3، ص181].

ثالثًا: خطورة هذه المزاعم

تتضح من هذه الأقوال عدة أمور خطيرة:

1- الادعاء بأن القرآن محرَّف، وأن الصحابة -وعثمان بن عفان خصوصًا- تلاعبوا بنصوصه، وهذا طعن صريح في عدالة الصحابة ونزاهة نقلهم.

2- ازدواجية الموقف؛ إذ يطلق المجلسي حكمًا صريحًا بالتحريف، ثم يلجأ إلى التبرير بأن ما ورد قد يكون تفسيرًا، مما يكشف عن اضطراب المنهج وضعف الحجة.

3- الطعن في القرآن يتناقض مع أصول الدين، فقد تعهد الله بحفظ كتابه في قوله: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ [الحجر: 9].

4- إن القول بتحريف القرآن ينقض العقيدة من أساسها، لأن المسلم إذا لم يثق في كتابه، فبأي شيء يَدين؟!

رابعًا: موقف أهل السنة من الآية

يفسر علماء أهل السنة هذه الآية تفسيرًا سليمًا منضبطًا، فطاعة الله وطاعة الرسول أصل، ثم أُمرنا بطاعة أولي الأمر، وهم العلماء والأمراء.

قال الإمام الطبري:

"وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: هم الأمراء والولاة، لصحة الأخبار عن رسول الله بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان لله طاعةً، وللمسلمين مصلحة" [تفسير الطبري، ج8، ص502].

وقال أبو هريرة رضي الله عنه في تفسير الآية: "هم الأمراء" [تفسير ابن أبي حاتم، ج4، ص221].

وقد صحّح الإمام أحمد شاكر هذا الأثر، وقال: "إسناده صحيح، ومعناه صحيح" [تحقيق تفسير الطبري، ج8، ص497].

فلا إشكال في الآية ولا اضطراب، بل هي محكمة واضحة في الدلالة على وجوب طاعة ولاة الأمور من المسلمين ما داموا يقيمون شرع الله.

خامسًا: رد الشبهة من القرآن والسنة

1- القرآن محفوظ: قال تعالى: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ [الحجر: 9]، وهذا وعد إلهي لا يُنقض.

2- الرواة الثقات: القرآن وصلنا بالتواتر من خلال الصحابة الكرام، وحفظته الأمة جيلًا بعد جيل، ولا يمكن قبول مزاعم التحريف من روايات متناقضة لا سند لها في المصادر المتواترة.

3- أحاديث نبوية تدل على كمال هذا الدين، منها قول النبي ﷺ: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي» [مالك في الموطأ، مرسل، وله شواهد].

4- سيرة الصحابة تدل على أمانتهم، وعلى رأسهم عثمان بن عفان الذي جمع المصحف على القراءة المتواترة، ولم يزد ولم ينقص، بل خدم الأمة وأطفأ الفتن.

سادسًا: تناقض الشيعة في موقفهم من القرآن

  إذا احتج عليهم السني بآية لا توافق مذهبهم قالوا: إنها محرفة.

  وإذا استدلوا بآية على عقيدتهم، زعموا أنها قطعية الدلالة.

وهذا التلاعب لا يليق بمن ينتسب إلى الإسلام، إذ كيف يصح أن يكون النص القرآني حجة في موضع، ومطعونًا فيه في موضع آخر؟!

الخلاصة:

  الآية الكريمة محكمة، ولا يوجد فيها ما يُشكل.

  القول بتحريفها طعن في الدين كله.

  الواجب هو التسليم بكتاب الله، وفهمه بفهم الصحابة والتابعين.

  كتب الشيعة مليئة بمثل هذه الروايات، مما يوجب على المسلم التنبه والتحذير من خطر هذه الطائفة على العقيدة.

المصادر:

  القرآن الكريم.

  تفسير الطبري، ج8، ص502.

  تفسير ابن أبي حاتم، ج4، ص221.

  تحقيق تفسير الطبري لأحمد محمد شاكر، ج8، ص497.

  الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج8، ص184185.

  مرآة العقول، محمد باقر المجلسي، ج3، ص181، وج26، ص77.

  موطأ مالك.