إن من أهم ما يُعنى به الدين الإسلامي تحقيق النظام والاستقرار، ومن ذلك وجوب وجود إمام أو خليفة للمسلمين يُقيم الدين ويَسوس الدنيا به، وهذا الأمر ليس اجتهادًا بشريًّا أو ترفًا فكريًّا، بل هو واجب شرعي دلَّ عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين.

معنى الإمامة وضرورتها:

الإمامة في اللغة هي القيادة، أما في الاصطلاح فهي خلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وهي أعلى مراتب الولاية العامة. وقد اتفق العلماء على أن وجود الإمام ضروري لحفظ المصالح الشرعية ودرء المفاسد، خصوصًا فيما يتعلق بإقامة الحدود، وحفظ الأمن، ونشر العدل، وردع الظالمين.

قال الإمام الماوردي: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع" (الأحكام السلطانية، ص15).

أدلة وجوب الإمامة من القرآن الكريم:

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، وقد أجمع أهل التفسير أن "أولي الأمر" هم الأمراء والحكام. قال أبو هريرة رضي الله عنه: "هم الأمراء" (تفسير ابن أبي حاتم، 4/221)، وأقره ابن جرير الطبري، وقال: "لصحة الأخبار بالأمر بطاعة الأئمة".

وهذا يدل على أن وجود ولي أمر تُطاع أوامره فيما يرضي الله واجب، إذ لا معنى لطاعة من لا وجود له.

كما قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: 49]، وهذا الخطاب وإن كان موجهًا للنبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه عام في كل من تولى أمر الأمة، كما قرره العلماء. وقال الله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، مما يثبت أهمية وجود الحاكم المسلم الذي يطبق شرع الله.

أدلة من السنة النبوية:

جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» (مسلم، ج3 ص1478).

فهذا الحديث يدل بوضوح على وجوب البيعة لولي الأمر، وهي فرع عن وجود الإمام نفسه، فدلّ على وجوب وجود الإمام ابتداءً. ولا يعني "الميتة الجاهلية" الكفر، كما أوضح العلماء، بل تعني الفوضى والضياع الذي كان عليه أهل الجاهلية.

وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» (صحيح أبي داود، ج6 ص109). فإذا كان هذا الوجوب في سفر، فكيف بالحضر والمجتمعات الكبيرة؟!

أقوال العلماء في وجوب الإمامة:

قال ابن حزم: "القرآن والسنة قد وردا بإيجاب الإمام، بآيات كقوله: ﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾، وأحاديث كثيرة صحيحة في طاعة الأئمة وإيجاب الإمامة" (الفصل، ج4 ص72).

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها" (السياسة الشرعية، ص129).

وقال النووي: "أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة" (شرح مسلم، ج12 ص205).

وقال القرطبي: "هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يُسمع له ويُطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة" (تفسير القرطبي، ج1 ص164).

وقال ابن خلدون: "نصب الإمام واجب عُرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين" (مقدمة ابن خلدون، ج1 ص98).

وظائف الإمام في الإسلام:

وقد حدد العلماء وظائف الإمام، وأهمها:

1- حفظ الدين وإقامة الشرع.

2- تنفيذ الأحكام.

3- إقامة الحدود.

4- جباية الزكاة.

5- حماية الثغور.

6- تأمين الحاجات الأساسية للرعية.

7- نصب الولاة والقضاة.

8- قيادة الجهاد.

قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": إن هذه الوظائف من أعظم الواجبات المترتبة على الإمام.

الرد على شبهة الميتة الجاهلية:

استغل البعض حديث: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» لإثبات وجود إمام دائم ولو كان غائبًا، كما تقول الشيعة الإمامية، لكن أهل السنة يردون هذا الفهم المغلوط.

قال ابن حجر في "فتح الباري": "الميتة الجاهلية لا تعني الكفر، بل تعني حال أهل الجاهلية الذين كانوا بلا إمام ولا نظام" (فتح الباري، ج13 ص7).

كما قال القاري في "مرقاة المفاتيح": "إذا لم يكن للناس إمام، فعلى المسلم أن يعتزل الفرق الضالة، ويثبت على طريق أهل السنة والجماعة" (مرقاة المفاتيح، ج8 ص3382).

علاقة الإمام بالبيعة والطاعة:

إن البيعة واجبة، لكنها لا تكون إلا بعد تنصيب إمام شرعي، يُقيم الدين ويحكم بالعدل. وقد نص العلماء أن الإمام لا يُشترط أن يكون معصومًا، بل أن يكون مسلمًا عادلًا قادرًا على القيام بمهام الحكم.

وقد أجمع الصحابة على ضرورة المبادرة إلى البيعة كما فعلوا مع أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة النبي ﷺ، وهو دليل إجماع عملي على وجوب الإمامة.

نتائج غياب الإمام:

في حال غياب الإمام تضيع الأحكام الشرعية، وتضعف الهيبة الشرعية، وتنتشر الفوضى، وتضيع الحقوق، ويُخشى على بيضة الإسلام.

وقد رأينا في واقعنا المعاصر ما تسببت به الحروب الأهلية والفتن والانقسامات عند غياب قيادة شرعية موحدة، مما يعزز ضرورة العودة إلى هذا الأصل الشرعي المهم.

خاتمة:

الإمامة في الإسلام ضرورة شرعية وعقلية، دلّ عليها القرآن والسنة وإجماع الصحابة والعلماء، وهي السبيل إلى حفظ الدين والدنيا. ولا يجوز للمسلمين ترك هذا الأصل، ولا الاكتفاء بالتنظير المجرد دون إقامة نظم الحكم الشرعية.

المصادر:

القرآن الكريم

صحيح مسلم

سنن أبي داود

الأحكام السلطانية الماوردي

الفصل في الملل والنحل ابن حزم

السياسة الشرعية ابن تيمية

شرح مسلم النووي

تفسير الطبري

تفسير القرطبي

مقدمة ابن خلدون

فتح الباري ابن حجر

مرقاة المفاتيح الملا علي القاري

وبذلك يتضح أن تنصيب الإمام واجب شرعي لا خلاف فيه عند جمهور الأمة، وهو السبيل إلى إقامة الدين، وحماية الأمة، وتحقيق العدل، والنجاة من الفتن والضلال.