من الشبهات التي يروّج لها بعض كتّاب الشيعة، ما ذكره علي الشهرستاني في كتابه "زواج أم كلثوم"، من أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تزوج من عاتكة بنت زيد دون رضاها، بل وبالإكراه، مستشهدًا برواية تقول:

«فدخل عليها فعاركها حتى غلبها على نفسها، فنكحها...».

ثم استنتج منها أن عمر أجبرها على الزواج وواقعها دون إذنها.

  • الأكثر قراءه في السقيفة:

الرد على مزاعم الشيعة حول حديث الأئمة الاثني عشر

حقيقة مقولة "لولا علي لهلك عمر"

مزاعم أسر شهربانو في زمن علي بن أبي طالب 

والرد على هذه الشبهة من عدة وجوه:

أولًا: ضعف الرواية سندًا وانقطاعها تاريخيًا

الرواية أوردها ابن سعد في الطبقات (8/265)، عن علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف جدًا في الحديث، كما قال ابن حجر:

"علي بن زيد متفق على سوء حفظه." [الإصابة 8/394]

حتى ابن سعد نفسه الذي أورد الرواية قال عنه:

"كان كثير الحديث، وفيه ضعف، ولا يُحتجّ به." [الطبقات 7/252]

والأدهى أن بينه وبين عاتكة فجوة زمنية ضخمة؛ إذ توفيت عاتكة سنة 41 هـ، بينما توفي علي بن زيد سنة 131 هـ تقريبًا، أي بعد ولادته بأكثر من 90 سنة من زواج عمر بعاتكة الذي كان عام 12 هـ.

فكيف يروي حادثة لم يعاصرها، بل ماتت صاحبتها قبل ولادته بسنوات؟!

قال ابن عساكر في تاريخ دمشق (1/358):

"علي بن زيد بن جدعان يُضعف فيما رواه عمّن أدركه، فكيف بما رواه عمّن لم يُدركه؟"

وعلّق المتقي الهندي في كنز العمال (13/633) قائلًا:

"ابن سعد، وهو منقطع."

أي أن الرواية غير متصلة السند، ولا يُبنى عليها حكم أو طعن.

 

ثانيًا: ثبوت زواج عمر من عاتكة برضاها عند أهل السنة والشيعة

زواج عمر من عاتكة ثابت عند جميع المؤرخين، ولم ينكره أحد.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب (4/1878):

"تزوجها عمر سنة 12 هـ، وأولم عليها، ودعا أصحاب النبي ﷺ وفيهم علي بن أبي طالب."

بل حتى بحار الأنوار للمجلسي الشيعي (32/336) يعترف بذلك:

"عاتكة بنت زيد... كانت تحت عبد الله بن أبي بكر، فخلف عليها عمر، ثم الزبير."

فأين الإكراه إن كانت الروايات تثبت زواجًا شرعيًا علنيًا بحضور الصحابة؟!

 

ثالثًا: الرواية – رغم ضعفها – تدل على أنه واقعها بعد العقد

في نفس الرواية ورد:

"فقال عمر: زوجنيها، فزوجه إياها."

ثم وردت واقعة المعاشرة، أي أنها حصلت بعد العقد الشرعي، مما يُسقط أي دعوى "اغتصاب"، ويجعل الحادثة على افتراض صحتها واقعة بين زوجين.

 

رابعًا: قول عاتكة (سأتهيأ لك) ينفي الإكراه

ورد في الرواية:

"فأرسلت إليه مولاة لها أن تعال فإنّي سأتهيأ لك."

فلو كانت مكرهة لما دعت زوجها بنفسها، ولما هيّأت نفسها له، بل لرفضته واستنجدت بأهلها. ما حدث هو حالة طبيعية لامرأة تهيّبت ليلة الزفاف الأولى.

 

خامسًا: دلائل محبتها لعمر ورضاها به

روى الإمام مالك في الموطأ (1/292) عن يحيى بن سعيد:

"أن عاتكة كانت تُقبّل رأس عمر وهو صائم، فلا ينهاها."

كما أن عاتكة اشترطت في عقد الزواج ألا يمنعها من الذهاب إلى المسجد، وكان عمر يلتزم بشرطها ولا يمنعها، كما في الموطأ (1/198).
فهل هذا حال امرأة أُجبرت على الزواج؟!

 

سادسًا: سبب رفضها الأول لعمر كان حبها لعبد الله بن أبي بكر

عاتكة كانت متعلقة بزوجها الأول عبد الله بن أبي بكر، الذي مات عنها، وكان بينهما ميثاق بعدم الزواج إن مات أحدهما. لذلك رفضت الخطّاب مرارًا وفاءً لذلك العهد.
قالت في رثائه:

"فآليت لا تنفكّ عيني حزينةً ... عليك ولا ينفكّ خدّي أغبرا"

لكن بعد أن ألحّ عمر في الخطبة، وبتوصية من أهلها، قبلت به.
فأين الإكراه هنا؟! بل هذا عين التراضي والتدرج الطبيعي في المشاعر.

 

سابعًا: التناقض الشيعي في مفهوم الزواج القسري

الطعن في زواج عمر من عاتكة ليس سوى جزء من حملة أوسع للطعن في شخص عمر. وهذا ما يفضح التناقض الشيعي، إذ أنهم يروون أن عمر اغتصب أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه، وأنه نكحها غصبًا.

جاء في الكافي (5/346) حديث عن جعفر الصادق يقول:

"ذاك فرجٌ غصبناه."

وقال عنه المجلسي في مرآة العقول (20/42):

"حديث حسن."

لكن هذا الطعن لا يصيب عمر فقط، بل يطعن في علي بن أبي طالب نفسه!
فهل من المعقول أن يُسلّم علي ابنته كرهًا لرجل كافر عندهم دون مقاومة؟! أليس هذا طعنًا في غيرته وشرفه؟!

وقد رفض الشيعي أبو الحسن الشعراني هذا المنطق الفاسد قائلًا:

"لا أرضى أن أنسب الزنا إلى ذرية النبي، لا للتقية ولا للضرورة..." [الوافي، الفيض الكاشاني (21/108)]

 

ثامنًا: ما ورد في كتبهم من زواج بالإكراه أشد

روى الكافي (6/55) أن الإمام موسى الكاظم تزوج ابنة عمه رغما عنه، فكان يتسلق الجدران هربًا منها، وقال:

"فلما مات أبي طلقتها."

فكيف يُجبر الإمام المعصوم على الزواج؟ وأين العصمة؟ وأين الكمال الأخلاقي المزعوم؟!

 

الخلاصة:

إن الادعاء بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تزوج من عاتكة بنت زيد بالإكراه هو ادعاء باطل لا سند له ولا عقل ولا واقع، مبني على رواية ضعيفة منقطعة، ولا تصمد أمام التحقيق العلمي. وقد أثبتت المصادر السنية والشيعية أن الزواج كان شرعيًا وبالرضا، بل ومحاطًا بالحب والاحترام.

أما الشيعة، فإن تناقضهم الفاضح يظهر جليًا في نسب الإكراه إلى عمر، وهم في الوقت نفسه يروون الإكراه والزنا والتقيّة في بيوت أئمتهم، فكان طعنهم في آل البيت أشد من طعنهم في الصحابة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.