تمهيد

روّج بعض غلاة الشيعة -كالمجلسي في كتابه بحار الأنوارلشبهة خطيرة، مفادها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خالف القرآن، عندما شرط على من أتى بآية أن يشهد عليه شاهدان، وأنه بذلك تعمد إقصاء مصحف علي رضي الله عنه خشية انكشاف فضائح مزعومة! وذهب المجلسي ومن تبعه إلى ما هو أبعد من ذلك، حين جعلوا هذا سببًا لاتهام عمر بالجهل بالقرآن وبأنه لا يصلح لحكم أو إمامة.

  • الأكثر قراءه في السقيفة:

الرد على مزاعم الشيعة حول حديث الأئمة الاثني عشر

حقيقة مقولة "لولا علي لهلك عمر"

مزاعم أسر شهربانو في زمن علي بن أبي طالب

وفي هذا المقال نعرض هذه الشبهة بتفصيل، ونرد عليها علميًا ومنهجيًا، من خلال تفنيد الروايات والرد على الاستدلالات، وكشف الأوهام التي وقع فيها خصوم الصحابة وأهل السنة.

 

أولًا: عرض الشبهة كما رواها المجلسي

ذكر المجلسي في بحار الأنوار (30/ 355) أن عمر بن الخطاب لما أراد جمع القرآن نادى في الناس أن يأتوه بما عندهم، واشترط ألا يُقبل شيء إلا بشاهدين. واعتبر المجلسي هذا شرطًا مخالفًا للقرآن، مستدلًا بقوله تعالى:

﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ... ﴾ [الإسراء: 88]. ثم زعم أن ذلك كان لرفض قبول مصحف علي، خشية أن يظهر فيه أسماء المذمومين وفضائل خصومهم!

 

ثانيًا: تفنيد الرواية سندًا

الرواية الواردة في «المصاحف» لابن أبي داود تنقل هذا الشرط، ولكنها ضعيفة السند للأسباب التالية:

محمد بن عمرو بن علقمة: صدوق له أوهام، وتكلم فيه النقاد من جهة حفظه.

انقطاع السند: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب لم يسمع من عمر؛ كما قال ابن معين: "وهذا باطل" [المراسيل، ابن أبي حاتم ص246].

إذن، فالرواية لا تصح، ولا تصلح لبناء عقيدة أو طعن بها في أحد الصحابة، فضلًا عن مثل عمر رضي الله عنه.

 

ثالثًا: تفنيد الرواية متنًا

أ) تعارضها مع الثابت في الصحيح

الرواية تزعم أن خزيمة بن ثابت جاء بآخر سورة التوبة، ولكن الصحيح أن أبا خزيمة الأنصاري هو الذي أتى بها، كما في صحيح البخاري.

قال الحافظ ابن حجر: "الأرجح أن الذي وجد معه آخر التوبة هو أبو خزيمة، والآخر (خزيمة) وجد معه آية من الأحزاب" [فتح الباري 9/15].

ب) مخالفتها لوقائع الجمع المعروفة

الثابت أن أبا بكر هو أول من أمر بجمع القرآن بعد موقعة اليمامة، وليس عمر، كما في رواية زيد بن ثابت في البخاري.

وشرط الشاهدين كان فقط للتوثق من الكتابة لا للقرآنية، كما سيأتي.

 

رابعًا: معنى "شاهدين" في الجمع

ادّعى المجلسي أن الشاهدين كانوا شرطًا لإثبات "قرآنية" النص.

والصحيح:

قال الحافظ ابن حجر: "المراد أن يشهد على أن المكتوب كُتب بين يدي النبي ﷺ، لا أنه قرآن أو غيره، لأن القرآن محفوظ متواتر" [فتح الباري 9/14-15].

وقال السيوطي: "الشهادة على أن ما أتى به الصحابي قد عُرض على النبي ﷺ أو كُتب بين يديه، وليس لإثبات أصل قرآنيته" [الإتقان 1/205].

إذن، الشاهدان كانا لضبط النُسخ وليس للشك في القرآن.

 

خامسًا: هل كان عمر يجهل القرآن كما زُعم؟

هذه تهمة باطلة بشهادة النصوص:

🔹عمر بن الخطاب كان من كبار الحفاظ للقرآن، ويؤم الناس بالصلاة.

🔹النبي ﷺ قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله»، واختياره لأبي بكر وعمر يدل على تفوقهم في القرآن.

قال العيني: "ما جرى من تتبع في العسب لم يكن لنقص تواتر، بل للاستظهار، ولضبط ما كُتب فعليًا بين يدي النبي ﷺ" [عمدة القاري 20/19].

 

سادسًا: تحريف الشيعة للقرآن باعتراف علمائهم

المجلسي نفسه في نفس الموضع يعترف ضمنيًا بالتحريف، حين قال إن مصحف علي كان فيه أسماء الممدوحين والمذمومين!

بل صرح بذلك في مرآة العقول (12/525) أن "روايات التحريف متواترة معنًى".

وقال نعمة الله الجزائري في منبع الحياة:

"لقد سقط من القرآن أكثر من ثلثه"!

"وسيظهر مصحف علي مع الإمام المهدي ويحمل الناس على تلاوته والعمل به"!

وهذا إقرار صريح بتحريف القرآن عند الشيعة، وهو ما يناقض صريح القرآن نفسه:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحِجر: 9].

 

سابعًا: دفاع أهل السنة عن جمع القرآن

أهل السنة مجمعون على أن جمع القرآن تم بإجماع الصحابة، وبأعلى درجات التوثيق، ولم يكن مجرد جمع أوراق بل حفظًا وتدوينًا بشهادة جماعية من الصحابة.

قال الإمام الذهبي: "القرآن محفوظ لا يستطيع أحد تغييره، ومن زاد فيه أو نقص منه عمدًا كفر وخرج من الدين" [سير أعلام النبلاء 10/171].

وقال البغوي: "النبي لم يجمعه في مصحف واحد لأن النسخ كان ينزل تباعًا، فلما انتهى الوحي جُمع بأمر أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما" [شرح السنة 4/519].

 

الخلاصة

1- الروايات التي استند إليها المجلسي ضعيفة السند والمضمون.

 2- شرط الشاهدين كان توثيقيًا لا تشكيكيًا.

 3- القرآن محفوظ بالنقل المتواتر لا يعتمد على فرد أو صحيفة.

 4- المجلسي نفسه يقر بتحريف القرآن، وهو الطعن الحقيقي في كتاب الله.

 5- أهل السنة مجمعون على نفي التحريف وإثبات تواتر القرآن.

 

خلاصة الرد:
ما نسبه المجلسي لعمر بن الخطاب من الطعن في القرآن لا يثبت لا سندًا ولا عقلًا، وإنما هو محاولة لتبرير اعتقادهم بتحريف القرآن، وهو ما وقع فيه المجلسي وأقر به في مواضع عديدة من كتبه.