اختلفت الروايات الشيعية والتفسيرات التاريخية حول أصل ونسب "شهربانو" والدة الإمام علي بن الحسين (زين العابدين)، إلى درجة تعكس مدى التخبط والتناقض في محاولات المجوس وشيعة الفرس ربط نسب الأئمة بآخر ملوك الساسانيين. ومن خلال استعراض أقوال الشيعة أنفسهم، يتبين أن هذه القصة أقرب للأسطورة منها إلى الحقيقة.
أولاً: القول المشهور - ابنة يزدجرد الثالث آخر ملوك الساسانيين
أشهر الروايات الشيعية تدّعي أن شهربانو كانت ابنة يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن كسرى أبرويز، آخر ملوك الساسانيين. وهذا القول يلقى القبول عند الكثير من علماء الشيعة، خاصة من الفرس، لأنه يمثل رمزية قوية بإعادة مجد الأكاسرة عبر نسب الأئمة.
- الأكثر قراءه في السقيفة:
- الإمام السجّاد وزواج أمه: بين الحقيقة والأسطورة
- تغلغل المجوسية في التشيع (الغلو في سلمان وتقديس رموز الفرس)
- تغلغل المجوسية في التشيع (عدم سب المجوس وكسرى لن يعذب)
ومن أبرز المراجع الشيعية التي ذكرت هذا النسب:
• الكافي (1/389)
• دلائل الإمامة (ص169)
• الإرشاد للمفيد (2/137)
• تاريخ قم (ص197)
• إثبات الوصية (ص170) ......وغيرها كثير.
لكن الحقيقة التاريخية تُفند هذه المزاعم؛ فالحروب الإسلامية الفارسية دامت سنوات، وخلالها لم يثبت أسر أي من بنات كسرى، بل إن يزدجرد فرّ من مدينة لأخرى حتى اغتيل عام 31هـ. فكيف يُعقل أن ابنته أُسرت وتُزوجت بالحسين في أثناء ذلك، دون أي محاولة من يزدجرد لفدائها؟!
وحتى على افتراض أن يزدجرد رضي بهذا الزواج، فلماذا لم يُسلم؟ ولماذا لم يُعلن مبايعته للدولة الإسلامية؟ أليس هذا دليلًا على أن القصة مختلقة لأغراض شعوبية مجوسية؟
ثانيًا: القول بأنها ابنة شيرويه بن كسرى
رواية أخرى تزعم أن شهربانو هي بنت شيرويه المعروف بقباذ الثاني، الرجل الذي قتل والده و18 من إخوته، ولم يملك إلا أشهرًا قليلة. ولا يوجد أي توثيق تاريخي لابنة اسمها شهربانو. فهذه الرواية أيضًا بلا أساس.
ثالثًا: القول بأنها ابنة كسرى أنوشيروان
رواية أكثر سذاجة تنسب شهربانو إلى كسرى أنوشيروان (توفي 579م)، وهو "كسرى العادل" بحسب الثقافة الفارسية. لكن هذا الرأي يهدم نفسه تاريخيًا؛ فأنوشيروان تُوفي قبل البعثة النبوية، فكيف لابنته أن تلد السجاد بعد الهجرة بـ40 عامًا؟!
رابعًا: القول بأنها ابنة شقيق ملك الفرس
وفق رواية في "مدينة المعاجز"، يذكر جمال كان يخدم الحسين ويدّعي أن "تكة" لباس الحسين كانت هدية من ملك الفرس عند زواجه من ابنة أخيه شاه زنان. لكن هذه الرواية هزيلة، وبطلها مجهول، ومبنية على خيال شعبوي لا يستقيم مع التاريخ.
خامسًا: القول بأنها ابنة النوشجان، أحد قادة الفرس بخراسان
روايات شيعية أخرى تنسب شهربانو إلى النوشجان بن بادان، قائد فارسي قتل في معركة نهاوند. لكن لم يذكر أحد أن له بنات أُسرن، ولا أي دليل تاريخي على وجود شهربانو ضمن السبي.
سادسًا: القول بأنها ابنة "سنجان" أو "سبحان" حاكم مرو
وهو قول لا سند له ولا شاهد تاريخي. ولو ثبت لانتفى نسبها إلى الأكاسرة تمامًا، ما يدمر الطموح المجوسي الذي حاولوا ربطه بنسب الأئمة.
سابعًا: القول بأنها من سبي كابل (أفغانستان)
قال به اليعقوبي في "تاريخه" (2/303)، مدعيًا أن أم السجاد كانت من سبي كابل. لكن هذا فتح تم عام 43هـ، في حين ولد السجاد سنة 38هـ، فكيف تُؤسر بعد إنجابه بخمس سنوات؟!
ورغم محاولة بعض الشيعة التبرير بأن شهربانو لجأت لكابل ثم أُسرت، إلا أن التواريخ تنسف هذه الدعوى من الأساس.
ثامنًا: القول بأنها سندية (من سبي السند – باكستان حاليًا)
ذكر الكلبي في "مثالب العرب" (1/107) أن أم السجاد كانت سندية، وبهذا تنقطع كل صلة بينها وبين الأكاسرة. وهذا القول يهدم تمامًا أساس الخرافة المجوسية عن "النسب الملكي الفارسي".
خلاصة وتحليل:
الاضطراب في روايات الشيعة حول شهربانو — بين أن تكون فارسية، سندية، أفغانية، أو من خراسان — يدل على أنها شخصية أسطورية من صنع خيال الشعوبيين المجوس الذين حاولوا عبر القصص الملفقة إعادة إحياء أمجاد الأكاسرة.
وإلا، كيف بشخصية بهذا الحجم أن تختلف الروايات حولها بهذا الشكل الفج؟ لو كانت شخصية حقيقية، لنُقلت سيرتها بالتواتر كما نُقل تاريخ الإسلام والصحابة.
بل إن هذا التخبط في تعيين والدها يثبت أن القصة من أصلها لا أساس لها، وهي مجرد أسطورة مزجت بين السياسة، الشعوبية، والتشيع.
خاتمة:
لم يكن هدف هذه الأسطورة إلا إدخال النسب المجوسي في بيت النبوة، وهو أمر تسعى له الشعوبية منذ القدم. لكنها لم تنجح إلا في خلق تناقضات تفضح نفسها بنفسها، وتُسقط الرواية برمتها. فكل من يطلب الحقيقة عليه أن ينظر في هذا الاضطراب بعين ناقدة لا بعين مقلدة.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.