مهما قال القائلون، وادّعى المدّعون حول نسب والدة الإمام زين العابدين علي بن الحسين، فإن الرجوع إلى كلام الإمام نفسه أولى وأصدق، ولا سيما في ما نُسب إليه من أدعية وروايات في الصحيفة السجادية ورسالة الحقوق.

وبالتمعن في هذه النصوص، نجد أنه لم يذكر يومًا أنه حفيد كسرى، ولا أن أمه كانت أميرة فارسية أو ابنة يزدجرد، ولا سمّاها "شهربانو"، ولا أشار إلى إخوة من بني ساسان، ولا إلى أي أثر ملوكي في نشأته.

 

دعاؤه لوالديه في الصحيفة السجادية:

ورد في الدعاء الرابع والعشرين من الصحيفة السجادية ما يبيّن صراحة أنه عاش في كنف والديه بعد البلوغ، وأقرّ ببرّه لهما، وطلب من الله أن يوفقه لرضاهما، وأن لا يعقهما، بل بالغ في الاعتراف بفضلهما وتربيتهما له.

"اللهم اجعلني أهابُهُما هيبةَ السلطان العسوف، وأبرّهما برّ الأمّ الرؤوف... اللهم اشكر لهما تربيتي..." إلى آخر الدعاء.

وهذا يناقض تمامًا دعوى أن أمه توفيت في النفاس، كما يزعم أصحاب أسطورة شهربانو.

 

نقد العقيدة العصمة:

ومن غرائب ما ورد في هذا الدعاء أن الإمام السجاد اعترف بأن والديه (وأبوه الحسين عند الشيعة معصوم) قد "تعديا عليه بالقول، وأسرفا عليه بالفعل، وضيّعا له حقًا"، ثم وهب ذلك كله لهما. وهذا يقدح في أصل العصمة التي يتمسك بها الشيعة.

 

أثر بر الإمام بأمه:

كثير من الروايات الشيعية تؤكد شدة بر السجاد بأمه، حتى إنه كان يمتنع عن الأكل معها خشية أن تسبق يده عينها إلى الطعام، كما ورد في:

جامع أحاديث الشيعة (ج21 ص437)

مستدرك عوالم العلوم (ج18 ص148)

أعيان الشيعة (ج1 ص626)

وهذا يؤكد أن أمه كانت حية معه فترة طويلة، لا كما زُعم أنها ماتت بعد الولادة.

 

الإمام السجاد يزوّج أمه من مولاه:

من أكثر الأمور دحضًا لأسطورة شهربانو أن الإمام السجاد زوّج أمه من مولاه، كما ورد في:

تهذيب الأحكام للطوسي (ج7 ص397)

جامع أحاديث الشيعة (ج20 ص80)

وقد أنكر عبد الملك بن مروان على السجاد هذا الفعل، فكتب له الإمام ردًا يؤكد فيه أن الإسلام أزال الفوارق الجاهلية، وأنه أراد بفعله هذا بر والدته.

 

تبريراته لا تصح:

برّر الإمام فعله بأن الرسول صلى الله عليه وسلم زوّج مولاه زيدًا بابنة عمته زينب، وتزوج صفية، وهي من ذرية ملوك بني إسرائيل. ولكن هذا القياس باطل، لأن النبي لم يزوّج أمه من مولاه، كما أن زواج زينب كان بوحي من الله، وزواج صفية جاء بعد فتح خيبر.

فمن العجيب أن تُزَوج "ابنة كسرى" -إن صحت الرواية- من مولى ابنها، دون أن يعترض أحد أو يفتخر هو أو ذريته بذلك!

 

زواج السجاد من مولاته:

كما تؤكد المصادر الشيعية أن الإمام تزوج مولاته، ولم ير في ذلك ما يقدح في شرفه، بل استشهد برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وهذا يُثبت أن أمه لم تكن بنت ملك، وإلا لكان ذكر ذلك فخرًا.

 

أبناء آخرون لأمه:

كما تذكر الروايات أن أمه أنجبت أبناء آخرين، ما يدل على استمرار حياتها بعد الحسين، منهم من نُسب له أنه أخو السجاد لأمه.

 كما في:

الكافي للكليني (ج4 ص459).

منتهى المطلب (ج2 ص884).

غياب أي افتخار بنسب كسروي:

ما يدعو للتأمل أنه لا في أدعية الإمام السجاد، ولا في رواياته، ولا في سلوكياته، أي أثر لافتخار بنسب ملوكي، رغم أن العرب والفرس كانوا يعتزون بذلك. كما أن زوجها الجديد لم يُعرف عنه افتخار بذلك النسب.

 

الخلاصة:

من خلال نصوص الصحيفة السجادية، وروايات كتب الشيعة المعتمدة، يتضح بجلاء أن قصة "شهربانو" مجرد أسطورة فارسية صُنعت لتغليف التشيع بغلاف ملوكي فارسي. أما الإمام السجاد نفسه، فلم يذكر عنها شيئًا، بل أفعاله وأقواله تُبطل هذه الدعوى.

 

المصادر:

الصحيفة السجادية، الدعاء 24.

شرح الصحيفة السجادية محقق الداماد.

كنز الدعاء محمدي ري شهري (ج3 ص528).

جامع أحاديث الشيعة البروجردي (ج21 ص437، ج20 ص80).

تهذيب الأحكام الطوسي (ج7 ص397).

مستدرك عوالم العلوم البحراني الأصفهاني (ج18).

أعيان الشيعة الأمين (ج1).

وسائل الشيعة الحر العاملي (ج6، ج9).

مكاتيب الأئمة الميانجي (ج3 ص173).

بحار الأنوار المجلسي (ج46).

مناقب آل أبي طالب ابن شهرآشوب (ج3 ص300).

الكافي الكليني (ج1 ص270، ج4 ص459).

شرح فروع الكافي المازندراني (ج5).

الفقه الإسلامي محمد تقي المدرسي.

الإمام السجاد المدرسي.

الزهد النضر بن سويد.

الوافي الفيض الكاشاني.

قاموس الرجال التستري.

بصائر الدرجات الصفار القمي.

البرهان في تفسير القرآن البحراني.

 

تنبيه ختامي:

الروايات المنسوبة للإمام السجاد في كتب الشيعة، تنقض أسطورة "شهربانو" وتُبطل نسبها المزعوم. فلتُعرض تلك الأساطير على كلام الإمام نفسه، لا على أهواء الشعوبيين والمجوس المتسترين بالتشيع.