الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن يوم عاشوراء هو من أيام الله العظيمة، وقد خلد الله ذكره بنصر نبيّه موسى عليه السلام ومن آمن معه، إذ نجّاهم من بطش فرعون وجنوده. وعندما قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ووجد اليهود يصومون هذا اليوم تعظيمًا له، قال: «نحن أحق بموسى منهم»، فصامه وأمر بصيامه، وبيَّن أن صومه يُكفّر ذنوب سنةٍ ماضية.
وهكذا تعامل المسلمون من أهل السنة والجماعة مع هذا اليوم: عبادةٌ وصيامٌ واتباعٌ لسنة النبي الكريم ﷺ، لا يتجاوز الأمر هذا المعنى الإيماني العظيم، فهم يحتسبون الأجر في صيامه، لا في شعائر حزينة ولا احتفالات مبتدعة، ولا خطاب عاطفي ينحرف عن جوهر الدين.
هل قُتل الحسين في هذا اليوم؟ نعم، ولكن...
يُقال: أليس يوم عاشوراء هو اليوم الذي استُشهد فيه الحسين بن علي رضي الله عنه؟
نعم، ولكن ينبغي أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، فاستشهاد الحسين، رغم فداحته وألمه، لا يعني تحويل هذا اليوم إلى مناحةٍ موسمية، تُعلَن فيها الكراهية، وتُضرب فيها الرؤوس والصدور، وتُنشر فيها الخرافات باسم الحب والولاء.
فكم من خيرة الصحابة قُتلوا مظلومين؟! عمر بن الخطاب رضي الله عنه طُعن وهو يصلي، وعثمان قُتل في بيته وهو يقرأ القرآن، وعلي بن أبي طالب اغتيل على يد الخوارج، وهم جميعًا أفضل من الحسين بن علي رضي الله عن الجميع. ومع ذلك، لم يتخذ أهل السنة أيام استشهادهم مواسم للعزاء ولا مجالس للبكاء، ولم يُخصّصوا لها عبادات ولا طقوسًا.
منهجهم واضح:
إن سُنَّ في اليوم عبادةٌ من النبي ﷺ، فهم يتبعونه؛ كصيام عاشوراء، وإن لم يُسنّ، لم يضيفوا شيئًا، لا ابتهاجًا ولا حزنًا، بل يلتزمون بالسنة، ويجتنبون البدعة.
بداية البدعة: من البويهيين إلى الصفويين
لم تكن طقوس اللطم، وضرب الرؤوس، ونشر الحزن في عاشوراء معروفة عند الشيعة الأوائل، ولا حتى عند أئمتهم. ولكن عندما دخلت السياسة على الخط، وسُيّس التشيع لخدمة مشاريع دنيوية، بدأت هذه الظواهر بالظهور.
وكان أول من ابتدع هذه المآتم والاحتفالات الحزينة في يوم عاشوراء هم البويهيون عندما بسطوا سلطانهم على العراق وإيران في القرن الرابع الهجري، كما أشار إلى ذلك المؤرخ ابن كثير رحمه الله. ثم جاء الصفويون بعد قرون، وفرضوا التشيع بقوة السلاح، وأحيوا تلك البدع، بل رسّخوها وزادوا عليها، مما أدى إلى تراجع أهل السنة في إيران من أكثر من 80% إلى أقل من 20% فقط.
الاستعمار يبارك اللطم
وبعد أن بدأت هذه الطقوس في التلاشي شيئًا فشيئًا، إذ بها تعود بقوة بإشعال من السفارات البريطانية في كلٍّ من الهند وإيران والعراق، كما أوضح الدكتور موسى الموسوي في كتابه "الشيعة والتصحيح". وكان الغرض من ذلك سياسيًا بحتًا؛ إذ أراد المستعمر أن يُظهر المسلمين - عبر هذه الطقوس المتوحشة - في صورة شعوب همجية متخلفة تحتاج إلى من "ينقذها" ويقودها إلى "الحضارة" الغربية، بحسب زعمه.
ومع نهاية الحقبة الاستعمارية، خفت صوت هذه الطقوس قليلاً، إلى أن جاءت دولة "الآيات" في إيران، فأحيت هذه الممارسات من جديد، وزادت عليها شعارات سياسية، وخطابًا إعلاميًا محمومًا، واستثمرت هذه المناسبة أيّما استثمار لتأجيج مشاعر الكراهية ضد أهل السنة والجماعة.
هدفهم: تصوير أهل السنة كأنهم قتلة الحسين
لقد استغلت الأنظمة الشيعية - وعلى رأسها النظام الإيراني - يوم عاشوراء لتكريس فكرة أن أهل السنة هم الذين قتلوا الحسين، أو أنهم راضون بقتله! وهنا يكمن أخطر ما في الأمر، إذ يتم تربية أجيال من الشيعة على أن أهل السنة أعداء لأهل البيت، وأنهم خصوم للحسين وشيعته، وهذا محض كذب وافتراء. فالواقع أن الذين خذلوا الحسين وتآمروا عليه في كربلاء كانوا شيعته في الكوفة، وهم الذين دعوه ثم تخلّوا عنه، ولم يكن لأهل السنة يومها أي مشاركة في تلك الجريمة البشعة.
اللطم وسيلة لتأجيج الأحقاد وليس حب الحسين
إن ما يُعرض في وسائل الإعلام من لطم ودماء وخطب نارية، وأشعار تذرف لها الدموع، ليس عبادة ولا حزنًا نقيًا، بل هو أداة سياسية منظمة، تهدف إلى ترسيخ الكراهية وزرع الانقسام بين المسلمين، وجعل الحسين مجرد "شعار" لتمرير الأجندات الطائفية والسياسية.
واجب أهل السنة:
أهل السنة اليوم مطالبون بوعي أكبر لما يجري، فلا يكفي الصمت أو التجاهل، بل يجب عليهم:
أن يُبينوا حقيقة عاشوراء كما وردت عن النبي ﷺ.
❖ أن يُفندوا الأكاذيب والشبهات التي تُروج ضدهم.
❖ أن يُعلموا الناس أن حب الحسين لا يعني اللطم، ولا التطبير، ولا الحزن المسرحي، بل يعني الاقتداء به في حب الحق والوقوف في وجه الظلم .
المصادر:
❖ ابن كثير، البداية والنهاية.
❖ موسى الموسوي، الشيعة والتصحيح.
❖ السيرة النبوية، وصحيح الأحاديث النبوية في صيام عاشوراء.