الشبهة الثالثة: حديث "أصدق لهجة" لأبي ذر
الطعن:
يستدل بعضهم بأن النبي ﷺ قال عن أبي ذر: "ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر"، ويتساءلون: لماذا لُقِّب أبو بكر بالصديق ولم يُطلق عليه هذا الوصف مع أنه لم يرد مثله فيه؟
الرد العلمي:
أولًا: الحديث لا يعني أن أبا ذر أصدق من جميع الخلق، فذلك يُفضي إلى تفضيله على النبي ﷺ وسائر الأنبياء، وهو باطل بالإجماع.
ثانيًا: وصف "أصدق لهجة" يدل على شدة تحرِّي الصدق في القول، لا على سعة التصديق أو عمق العلم والدعوة والجهاد.
ثالثًا: لقب "الصديق" ثابت لأبي بكر في الأحاديث الصحيحة، منها ما رواه البخاري (3675) عن النبي ﷺ لما قال: "اثبت أُحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان".
الشبهة الرابعة: هل استخلف النبي ﷺ أبا بكر؟
الطعن:
يقول بعضهم: النبي ﷺ لم يستخلف أبا بكر صراحة، بل استخلف عليًّا في غزوة تبوك، فلماذا يسمى أبو بكر "خليفة رسول الله"؟
الرد العلمي:
أولًا: الخلافة إما أن تُفهم بأنها خَلَفٌ في الحكم بعد الموت (وهو الواقع مع أبي بكر)، أو أن تكون بالتنصيب الصريح، وفي الحالتين لا خلاف أن أبا بكر هو من تولى شؤون الأمة بعد وفاة النبي ﷺ.
ثانيًا: استخلاف النبي لعليٍّ على المدينة كان أمرًا تكرر مع غيره، كعثمان وابن أم مكتوم، ولم يكن ذلك دالًّا على أفضلية.
ثالثًا: الأحاديث الثابتة والإجماع العملي للصحابة يدلّ على أن أبا بكر كان الخليفة الشرعي، سواء بالنص أو بالبيعة.
الشبهة الخامسة: قول أبي بكر "ليتني سألت النبي"
الطعن:
ينسب بعضهم لأبي بكر عند موته قولًا: "ليتني سألت النبي هل للأنصار في الأمر حق؟"، ويعتبرونه دليلًا على شكه في خلافته.
الرد العلمي:
✦ هذا القول لا أصل له بإسناد صحيح، ولا يجوز الاستدلال بطعون منقطعة لا سند لها.
✦ من الطعن في السابقين الأولين لا بد من نقل ثابت، وإلا فهو افتراء مردود.
الشبهة السادسة: قول "ليت أمي لم تلدني"
الطعن:
يقول الشيعة إن أبا بكر عند وفاته قال: "ليتني كنت تبنة في لبنة، ليت أمي لم تلدني!" فهل كان في رعب من لقاء الله؟
الرد العلمي:
✦ الرواية غير ثابتة، والثابت أنه لما تمثلت عائشة ببيت من الشعر، قال أبو بكر: "ليس كذلك، ولكن قول الله: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾".
✦ ولو صح، فهو من باب الخوف من الله، كما قال عمر وغيره: "يا ليتني كنت نسيًا منسيًّا".
الشبهة السابعة: قوله في سقيفة بني ساعدة
الطعن:
نُسب إلى أبي بكر أنه قال: "ليتني كنت ضربت على يد أحد الرجلين، فكان هو الأمير وأنا الوزير"، وقالوا إنه اعتراف بعدم استحقاقه للإمامة.
الرد العلمي:
✦ إن صح، فهو يدل على تواضع أبي بكر وخوفه من الله لا على بطلان خلافته، إذ لم يكن يقول: "ليت عليًّا كان الإمام"، وإنما يتمنى البراءة أمام الله.
✦ وهذا رد ضمني على من يزعم أن عليًّا كان الأحق، إذ لم يذكره أبو بكر.
الشبهة الثامنة: هل ولاه النبي ﷺ شيئًا؟
الطعن:
يقول بعضهم إن النبي ﷺ لم يولي أبا بكر في حياته، وولى أسامة وعمرو بن العاص.
الرد العلمي:
✦ هذا كذب بيّن، فقد ولاه النبي ﷺ على الحج في سنة 9 هـ، وكان هذا أول حج في الإسلام بقيادة من المدينة.
✦ القيادة العسكرية في بعض المواطن كانت بحكمة إقناع القبائل، كحال عمرو بن العاص مع بني عذرة، لا لكونه أفضل من الصديق.
الشبهة التاسعة: تأمير عليّ في براءة
الطعن:
بعث النبي ﷺ أبا بكر لتبليغ سورة براءة، ثم أرسل عليًا وقال: "لا يبلغ عني إلا رجل مني". فهل رد أبا بكر دليل على نقصه؟
الرد العلمي:
✦ الروايات الصحيحة تثبت أن أبا بكر أمّر عليًا فقط ببراءة، وليس بالحج كله، فالحج قاده الصديق بالكامل.
✦ التبليغ كان تقليدًا عربيًّا في نقض العهود لا يقوم به إلا المطاع أو رجل من أهله، وليس تقليلًا من شأن الصديق.
✦ علي بن أبي طالب نفسه كان خلف أبي بكر في الصلاة بالحج، وخطبه كانت تحت إمرته.
الشبهة العاشرة: قطع يد السارق اليسرى
الطعن:
يزعم بعضهم أن أبا بكر قطع يد سارق من اليسار، وهذا جهل في الحكم.
الرد العلمي:
✦ هذا ادعاء بلا إسناد ولا نقل صحيح، ولم تثبته كتب الحديث أو كتب الفقه، وهو باطل عند أئمة الإسلام.
✦ حتى لو فُرض، فبعض الفقهاء أجازوا ذلك بظاهر قوله تعالى: ﴿فاقطعوا أيديهما﴾ [المائدة: 38]، لكن السنة بينت أن المقصود اليد اليمنى.
📚 المراجع المعتمدة:
✦ صحيح البخاري
✦ صحيح الترمذي – تحقيق الألباني
✦ سيرة ابن هشام
✦ منهاج السنة النبوية – شيخ الإسلام ابن تيمية
✦ المحلى – ابن حزم
✦ تفسير ابن كثير