مقدمة

الحمد لله ناصر أوليائه، ومظهر الحق على لسان الصادقين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

لقد تعرَّض الخليفة الأول وأفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لحملات طعن وافتراء من بعض الطوائف، رغم مكانته العظيمة في الإسلام، ونصوص السنة الكثيرة التي تدل على فضله. وفي هذا المقال، نرد على تلك الشبهات ردًّا علميًّا موثَّقًا، ونُبرِز جوانب من فضائل هذا الصحابي الجليل، نسأل الله التوفيق والسداد.

 

أولًا: فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه في السنة النبوية

 1- رفيق النبي في الهجرة قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وهما في الغار: 

«ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» (رواه البخاري 3653، ومسلم 2381).

2- أحق الناس بصحبة النبي وماله

«إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر… ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر» (البخاري 3654).

3- أحب الرجال إلى النبي

«قلت: من الرجال؟ قال: أبوها (أي: أبو عائشة)، قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب» (البخاري 3662، مسلم 2384).

4- ثبات الجبل لثلاثة من العظماء

«اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان» (البخاري 3675).

5- سيادة كهول الجنة

قال النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر وعمر:

«هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين» (صحيح الترمذي للألباني 2897).

6- عتيق من النار

قالت عائشة:

«أنت عتيق الله من النار، فسُمي عتيقًا» (صحيح الترمذي 2905).

7- السبق في الإنفاق

«ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله» (صحيح الترمذي 2902).

8- نفع ماله للنبي صلى الله عليه وسلم

«ما نفعني مال أحد كما نفعني مال أبي بكر» (صحيح الترمذي 2894).

9- دعوته أسفرت عن إسلام كبار الصحابة أسلم على يده خمسة من العشرة المبشرين بالجنة: عثمان، الزبير، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله (سيرة ابن هشام، ج1 ص 212).

 

ثانيًا: الرد على الشبهات المثارة حول أبي بكر الصديق

الشبهة الأولى: زعم تخلفه عن جيش أسامة

◀️ الرد:

1- لا سند صحيح لهذه الرواية: لم تثبت رواية «لعن الله المتخلف عن جيش أسامة» بإسناد صحيح، ولم يرد أن أبا بكر كان من المأمورين بالخروج.

2- تناقض عقلي واضح: كيف يأمره بالخروج في جيش، وهو من أمره بالصلاة بالناس في مرضه الأخير؟ وقد صلى بالناس 12 يومًا.

3- موقف أبي بكر بعد وفاة النبي: أبو بكر هو من أرسل جيش أسامة تنفيذًا لأمر النبي، ولم يمنع ذلك، بل استأذن أسامة فقط في إبقاء عمر بالمدينة (منهاج السنة، ابن تيمية، ج5، ص 485-488).

 

الشبهة الثانية: منعه فاطمة الزهراء من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم

◀️ الرد:

1- الرواية صحيحة ومعتمدة عند أهل السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نورث، ما تركناه صدقة» (رواه البخاري 3092، 3093).

2- الأنبياء لا يورثون المال، بل العلم والنبوة «إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم» (صحيح الترمذي 2159).

3- تفسير الآيات المتعلقة بالميراث

آية ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾ خاصة بعموم الناس، لا بالأنبياء.

﴿َوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ تعني وراثة النبوة والعلم، لا المال. (ابن تيمية، منهاج السنة، ج4، ص 193-225).

4- سلوك أبي بكر لم يخالف النبي قال رضي الله عنه:

«لست تاركًا شيئًا كان رسول الله يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ» (البخاري).

 

الخاتمة

إن مكانة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا تنالها ألسنة الحاقدين ولا شبهات المرجفين، فقد زكّاه النبي مرارًا، وفضّله في مقام الصحبة والديانة والجهاد والسبق. والرد على الشبهات لا يزيد المؤمنين إلا ثباتًا في محبتهم لأبي بكر، وثقة في عدالة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجزاه الله عن الأمة خير الجزاء.

 

المصادر والمراجع:

1- صحيح البخاري تحقيق محمد زهير الناصر.

2- صحيح مسلم تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

3- سنن الترمذي تحقيق الألباني، "صحيح الترمذي".

4- منهاج السنة النبوية ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم.

5- سيرة ابن هشام دار إحياء التراث العربي.

6- تفسير ابن كثير والطبري في مواضع الآيات المذكورة.