الشبهة الثانية عشرة: غياب عثمان عن بدر وفراره يوم أحد وغيابه عن بيعة الرضوان
نص الشبهة:
يدّعي بعض الطاعنين أن عثمان بن عفان غاب عن غزوة بدر، وهرب يوم أُحد، ولم يشهد بيعة الرضوان.
الرد العلمي:
هذه الشبهة مردودة من وجوه، وقد ورد ردٌّ مفصلٌ على لسان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في الحديث الصحيح.
روى البخاري (حديث: 4066) أن رجلًا سأل ابن عمر عن عثمان: هل فر يوم أُحد؟ وهل تغيب عن بدر؟ وهل تخلّف عن بيعة الرضوان؟ فأجابه ابن عمر بالإثبات، ثم بيّن له الحقيقة فقال:
♦ أما يوم أحد: فقد عفا الله عنه بنص القرآن.
♦ وأما بدر: فقد تخلّف بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لتمريض زوجته رقية بنت رسول الله، وقال له النبي: "إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه".
♦ وأما بيعة الرضوان: فقد بعثه النبي إلى مكة، وبايع عنه بيده قائلًا: "هذه يد عثمان".
فالشبهة ساقطة أمام النصوص الصريحة من الحديث الصحيح.
الشبهة الثالثة عشرة: إتمام عثمان الصلاة في منى
نص الشبهة:
يدّعي البعض أن عثمان خالف السنة حين أتم الصلاة الرباعية في منى، وقد أنكر عليه بعض الصحابة.
الرد العلمي:
1- عثمان لم يكن مسافرًا وقتها، فقد أقام بمكة وتزوج فيها، واستقر بها، فمن أتم الصلاة وهو مقيم فلا خلاف عليه.
2- الصحابة لم يُجمعوا على الإنكار عليه، بل وافقه بعضهم. فعن ابن عمر في صحيح مسلم (حديث: 694)، أنه كان يصلي ركعتين إذا صلّى وحده، ويصلي أربعًا إذا صلّى خلف الإمام.
3- كلام ابن مسعود لا يدل على تحريم الإتمام، بل يدل على تفضيل القصر. وقد أتمّ خلف عثمان، فلو كان ذلك بدعة لما صلى خلفه.
قال النووي في شرح مسلم (5/204): "اتفاق الصحابة على الجواز يدل على أن الفعل ليس حرامًا، بل جائز مع اختلاف الأفضلية".
الشبهة الرابعة عشرة: طعن ابن مسعود في عثمان وتكفيره
نص الشبهة:
يزعم البعض أن عبدالله بن مسعود كان يطعن في عثمان ويكفره.
الرد العلمي:
1- كذب محض، إذ ثبت عن ابن مسعود قوله: "ولّينا أعلانا ذا فوقٍ، ولم نألُ"، أي أنه يثني على اختيار الأمة لعثمان.
2- خلافه مع عثمان في المصاحف لا يُعد طعنًا، بل كان اجتهادًا، وقد وافقه عامة الصحابة على جمع المصحف عند زيد بن ثابت.
3- الرد على هذه الشبهة من منهج أهل السنة: لا يُفسق الصحابة بمثل هذه الأمور الاجتهادية، وما وقع بينهم لا يسقط عدالتهم ولا يلزمنا بتبني روايات باطلة تنقلها ألسن الأعداء.
قال ابن تيمية (منهاج السنة 6/253): "لو فرضنا وقوع الذنب، فقد علمنا أن كلًّا منهما من أهل الجنة، ولا يُعذّب أحدهما بذنبٍ وقع منه".
الشبهة الخامسة عشرة: ضرب عثمان لعمار وفتق أمعائه
نص الشبهة:
يدّعي بعضهم أن عثمان اعتدى على عمار بن ياسر حتى فتق أمعاءه.
الرد العلمي:
1- الروايات الواردة في هذا كاذبة، وقد قال ابن العربي: "ضرب عثمان لعمار إفك، ولو فتق أمعاءه لمات فورًا" (العواصم من القواصم، صـ78).
2- المنطق والسيرة يناقضان هذا الادعاء؛ فعثمان عُرف بحلمه وحيائه، فكيف يعامل أحد الصحابة بهذه الوحشية، وهو الذي رفض الدفاع عن نفسه وقت الحصار؟
3- العقل والواقع يشهدان بزيف هذه الروايات، فهل يعقل أن يُضرب صحابي جليل كعمار فيُغشى عليه، ثم لا يُنكر ذلك أحد من الصحابة؟!
الشبهة السادسة عشرة: إعادة الحكم بن أبي العاص ومروان إلى المدينة
نص الشبهة:
يقول الطاعنون إن عثمان خالف أمر النبي بإعادة طريدَي المدينة: الحكم وابنه مروان.
الرد العلمي:
1- مروان كان صغيرًا وقت الفتح، فلا ذنب له.
2- الحكم من مسلمة الفتح، ولا دليل قطعي على نفيه من المدينة.
3- نفي الحكم إن ثبت، فليس نفيًا مؤبدًا، والشريعة لم تُقرّ بنفي دائم.
4- عثمان شفع سابقًا لعبدالله بن أبي سرح الذي كان أشنع ذنبًا، فشفاعته في قريبه ليست نقيصة.
5- قصة النفي ضعيفة من حيث الإسناد، وأكثر من نقلها مؤرخون لا يحتجّ بهم كابن جرير وغيره.
6- مواقف عثمان معروفة ومشهودة بالصلاح والتقى، فلا يُقدَّح فيه بخبر مرسل لا أصل له.
قال ابن تيمية (منهاج السنة 6/268): "ما ثبت فضله بالقطع لا يُزال بروايات ضعيفة أو مجهولة الأصل".
الشبهة السابعة عشرة: عزل الصحابة عن المناصب
نص الشبهة:
يقال إن عثمان عزل كبار الصحابة من المناصب كعزل أبي موسى وعمرو بن العاص وابن مسعود.
الرد العلمي:
1- التعيين والعزل من صلاحيات الخليفة، ولا يُطلب منه تثبيت من سبقه من ولاة.
2- العزل كان لأسباب إدارية معتبرة، لا لهوى أو ظلم، وقد ذكرت كتب التاريخ أسبابًا معتبرة لذلك (انظر: مختصر التحفة الاثني عشرية، صـ264).
الشبهة الثامنة عشرة: وهب أراضٍ من بيت المال لأصحابه
نص الشبهة:
يقولون إن عثمان وزع أراضي بيت المال لأصحابه.
الرد العلمي:
1- ما وُهب من أراضٍ كان من الأراضي الموات، وهي الأرض التي لا مالك لها، وإحياؤها جائز شرعًا.
2- السنة النبوية تثبت ذلك، كما في حديث: "من أعمر أرضًا ليست لأحد، فهو أحق" (البخاري 2335)، وحديث: "من أحيا أرضًا ميتةً فهي له" (صحيح الترمذي: 1114).
3- الرسول والخلفاء من بعده أقطعوا الصحابة أراضي لمصالح الإسلام.
4- ما فعله عثمان مطابق لما فعله أبو بكر وعمر.
5- لم يعط عثمان أرضًا مزروعة، بل مواتًا يحتاج للإحياء، وهذا مباح شرعًا.
الشبهة التاسعة عشرة: إحراق المصاحف
نص الشبهة:
يدّعي البعض أن عثمان أحرق مصاحف الصحابة ظلمًا.
الرد العلمي:
1- ما أُحرِق هو ما خالف العرضة الأخيرة التي أقرّها النبي قبل وفاته.
2- الغاية كانت منع الفتنة والاختلاف بين المسلمين في قراءة القرآن.
· البخاري (حديث 4987) يروي قصة جمع القرآن بناء على اقتراح حذيفة بن اليمان.
· علي بن أبي طالب أثنى على ما فعله عثمان، وقال: "لو كنت مكانه لفعلت مثل الذي فعل" (ابن أبي داود، صـ96).
3- ابن مسعود عاد ووافق على المصحف الرسمي، كما نقل ابن كثير في البداية والنهاية (7/228).
الشبهة العشرون: زيادة عثمان في الحمى
نص الشبهة:
يقال إن عثمان زاد في أرض الحمى لنفسه ظلمًا.
الرد العلمي:
1- الحمى مشروع في الإسلام، فقد حمى النبي مكانًا يسمى النقيع لخيل المسلمين (مسند أحمد 6438).
2- عمر بن الخطاب حمى الربذة لإبل الصدقة (ابن أبي شيبة 23654).
3- عثمان رد على هذه الشبهة بنفسه، فقال: زادت إبل الصدقة، فزدت في الحمى لها (تاريخ الطبري 4/354).
4- المحاججة القرآنية التي استُعملت ضده أُسيء فهمها، والواقع أن فعله كان امتدادًا لمن سبقه من الخلفاء.
وفي الختام:
فإنَّ هذه الشبهات إما باطلة كذبًا، أو مجتزأة من سياقاتها، أو مبنية على روايات ضعيفة وواهية، تُعارض بالأدلة القطعية والتاريخ الصحيح. والخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه كان إمامًا عادلًا، شهيدًا في سبيل الحق، مطاعًا في الأمة، مرضيًّا عنه من رسول الله وأصحابه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين.