أولا: ولادة الفرقة ونشأتها:
يكاد يتفق المسلمون على أن ظهور الاختلاف والتفرقة بين المسلمين بدأ مباشرة بعد مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأن تلك الحادثة الأليمة كانت هي الشرارة الأولى للفتنة العظيمة التي حدثت في صفوف الأمة الإسلامية، والتي انتهت بتنازل الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، حقنًا للدماء وتوحيدًا للكلمة، وأصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، حين نظر إليه فقال: "إن ابني هذا سيِّد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.
وقد كان كل من الفريقين يرى أنه على صواب اتجاه تلك الأحداث العظيمة، فطائفة ترى أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة وترى تقديم مبايعته ونصرته والجهاد معه؛ إعزازًا للدين وقيامًا بواجبهم تجاه إمام المسلمين، فسموا بشيعة علي؛ أي: حزبه وأتباعه، وفريق يرى أن تطبيق الشريعة في قتلة عثمان أولى من مبايعة غيره، فنهضوا مع معاوية رضي الله عنه وجاهدوا معه؛ نصرةً للدين وانتقامًا لذي النورَينِ زوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وآثر آخرون اعتزال هذه الفتنة ووضعَ السلاح، ولم يقاتلوا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وكل مصيب في اجتهاده وإن كان الحق مع علي بن أبي طالب، بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال: "ويح عمَّار تقتله الفئة الباغية"، وقد قتل رحمه الله في صفِّ علي.
ولم يكن استعمال هذه اللفظة في العصر الأول من الإسلام إلا في معناها اللغوي، فأصل الشيعة: الفرقة من الناس، وتقع على الواحد والاثنين والجمع والذكر والمؤنث بلفظ واحد، ومعنى واحد، وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم أنه يتولى عليًّا رضي الله عنه وأهل بيته حتى صار لهم اسم خاص، فإذا قيل من الشيعة عرف أنه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا؛ أي: عندهم، وتجمع الشيعة على شيع، وأصلها من المشايعة؛ وهي المتابعة والمطاوعة. وذلك على خلاف ما يعتقده الشيعة من أن أصل الفرقة ومبدأها كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، يقول القمي: "وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن ياسر المذحجي.. وهم أول من سموا باسم التشيع من هذه الأمة".
ثانيا: أهم الفِرَق الشيعية.
يقول البغدادي: "ثم إن عليًّا رضي الله عنه خاف من إحراق الباقين منهم شماتة أهل الشام، وخاف اختلاف أصحابه عليه، فنفى ابن سبأ إلى سباط المدائن، فلما قتل علي رضي الله عنه، زعم ابن سبأ أن المقتول لم يكن عليًّا"، ويعتبر هذا الحدث مبدأ تفرُّق الشيعة وانقسامهم وظهور الغلاة فيهم، وأهمها السبئية التي أظهر مؤسسها ابن سبأ اليهودي عقائد مصادمة للكتاب والسنة، تلك الأفكار التي شكلت ركائز وأسس فكر الغلاة والمتطرفين الشيعيين وقتئذٍ وفي زماننا المعاصر، ثم اندثرت تلك الطائفة، وتفرعت منها الطوائف الخمس الكبرى؛ وهي: "الكيسانية، والزيدية، والإمامية، والغلاة، والإسماعيلية. وبعضهم يميل في الأصول إلى الاعتزال، وبعضهم إلى السنة، وبعضهم إلى التشبيه"
ويمكن -إجمالًا- تقسيم الشيعة إلى قسمين كبيرين:
القسم الأول: يتفق -في الغالب- مع عقائد أهل السُّنة والجماعة، وهم الذين يُقِرُّون بإمامة الشيخين ولا يُكفِّرون الصحابة ولا يقولون بعصمة الأئمة ولا بتحريف القرآن، وهؤلاء هم أتباع وأشياع عليٍّ وبنيه على الحقيقة، ويمثلهم الآن فرقة الزيدية، ومقرهم الرئيسي باليمن، ومن أجَلِّ علمائهم الإمام الشوكاني ومحمد بن إسماعيل الصنعاني المشهور بالأمير الصنعاني وغيره.
القسم الثاني: الذين يخالفون عقائد وأفكار عليٍّ وبنيه وأهل السُّنة والجماعة، وهؤلاء منهم المعتدلون الذين قد يكون في أقوالهم ما يخالف صريح القرآن وصحيح السُّنة، ولكنهم لا يعتقدون ما يمس تنزيه الله سبحانه وتعالى ولا وحدانيته ولا رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم الغلاة المتطرفون الذين وقعوا في الكفر الصريح الذي لا يحتمل التأويل لمساسه بواحدنية الله سبحانه وتعالى وربوبيته وبرسالة النبي صلى الله عليه وسلم ولمخالفتهم لما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومن أهم هؤلاء: الإمامية والنصيرية والكيسانية والإسماعيلية