الشيعة والفرق الضالة كثيرًا ما تختلق الأحاديث وتحوّرها لتدعيم معتقداتها الباطلة، مما يبعدها عن المنهج السليم لأهل السنة والجماعة. ومن بين الشبهات التي تروجها هذه الفرق حول علماء الأمة، الادعاء بأن ابن تيمية هو أول من قسم التوحيد إلى أقسامه الثلاثة: توحيد الربوبية، توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. في هذا المقال، نسلط الضوء على أقوال كبار علماء الإسلام قبل ابن تيمية، لنثبت أن تقسيم التوحيد معروف لدى أهل العلم منذ قرون طويلة، وأن ابن تيمية لم يكن أول من تناول هذا التصنيف، بل جاء بعد سلسلة طويلة من العلماء المحدثين والفقيهين الذين بينوا أنواع التوحيد وفق النصوص الشرعية.
قال الإمام ابن حبان رحمه الله:
" الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية المتعزز بعظمة الربوبية القائم على نفوس العالم بآجالها والعالم بتقلبها وأحوالها المان عليهم بتواتر آلائه المتفضل عليهم بسوابغ نعمائه " اهـ [1]
لقد صرح الإمام ابن حبان رحمه بالألوهية، والربوبية، والصفات، ولقد توفي الإمام ابن حبان في سنة 354 ه فبين موته وولادة شيخ الاسلام ابن تيمية مئات السنين
وقال أبو بكر الطرطوشي رحمه الله:
"وأشهد له بالربوبية والوحدانية وبما شهد به لنفسه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والنعت الأوفى ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين " اهـ[2]
فقد صرح الإمام الطرطوشي المالكي بالربوبية، والوحدانية، والاسماء والصفات، ولقد توفي الإمام الطرطوشي في سنة 520 هـ فبين موته وولادة شيخ الاسلام ابن تيمية 141 سنة، وذلك لان شيخ الاسلام قد ولد في سنة 661 هـ
ونقل الإمام قوام السنة قول القاضي أبو يوسف:
وهو من أصحاب الإمام ابي حنيفة رحمه الله، حيث قال: " فصل في النهي عن طلب كيفية صفات الله عز وجل أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب، أنا والدي، أنا محمد بن جعفر السرخسي، نا محمد بن سلمة البلخي، نا بشر بن الوليد القاضي عن أبي يوسف القاضي أنه قال: ليس التوحيد بالقياس، ألم تسمع إلى قول الله عز وجل في الآيات التي يصف بها نفسه أنه عالم قادر قوي مالك، ولم يقل إني قادر عالم لعلة كذا أقدر، ولسبب كذا أعلم، ولهذا المعنى أملك، فلذلك لا يجوز القياس في التوحيد، ولا يعرف إلا بأسمائه ولا يوصف إلا بصفاته، وقد قال الله عز وجل في كتابه: ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ الآيات،
وقال: ﴿أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء﴾ وقال: ﴿إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر﴾ إلى قوله ﴿يعقلون﴾.
قال أبو يوسف: لم يقل الله تعالى: انظر كيف أنا العالم، وكيف أنا القادر وكيف أنا الخالق ولكن قال: انظر كيف خلقت، ثم قال: ﴿خلقكم ثم يتوفاكم﴾ وقال: ﴿وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾ أي تعلم أن هذه الأشياء لها رب يقلبها ويبدئها وأنه مكون ذلك ﴿مني﴾ كونك، وإنما دل الله خلقه بخلقه ليعرفوا أن لهم رباً يعبدوه ويطيعوه ويوحدوه وليعلموا أنه مكونهم لا هم كانوا، ثم سمى فقال: أنا الرحمن وأنا الرحيم، وأنا الخالق، وأنا القادر، وأنا المالك، أي هذا الذي كونكم يسمى المالك، القادر، الله الرحمن، الرحيم بها يوصف، ثم قال أبو يوسف: ' يعرف الله بآياته وبخلقه ويوصف بصفاته ويسمى بأسمائه كما وصف في كتابه، وبما أدى إلى الخلق رسوله ' " اهـ [3]
فقد صرح الإمام أبو يوسف بكل انواع التوحيد في اثناء كلامه، ولقد توفي الإمام أبو يوسف سنة 182 ه فبين موته وولادة شيخ الاسلام مئات السنين..
وقال أبو مطيع البلخي:
" قال أبو حنيفة من قال لا اعرف ربي في السماء او في الأرض فقد كفر وكذا من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء او في الأرض والله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء وعليه ما روى في الحديث ان رجلا اتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال وجب علي عتق رقبة أفتجزىء هذه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أمؤمنة أنت فقالت نعم فقال أين الله فأشارت إلى السماء فقال اعتقها فإنها مؤمنة " اهـ [4]
لقد اثبت الإمام أبو حنيفة العلو وهو من باب الصفات، وصرح بالربوبية، والألوهية، ولقد توفي الإمام أبو حنيفة في سنة 150 ه، فبين وفاته رضي الله عنه، وولادة شيخ الاسلام مئات السنين.
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي:
" نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إن الله واحد لا شريك له ولا شي مثله ولا شيء يعجزه ولا إله غيره " اهـ [5]
وقال الإمام ابن ابي العز الحنفي شارح الطحاوية:
" قَوْلُهُ: (نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ)
فإن التَّوْحِيدَ يَتَضَمَّنُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: الْكَلَامُ فِي الصِّفَاتِ.
وَالثَّانِي: تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَبَيَانُ أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.
وَالثَّالِثُ: تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ " اهـ [6]
وقال: " قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءَ مِثْلُهُ):
اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ " اهـ [7]
وقال: " قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءَ يُعْجِزُهُ):
لِكَمَالِ قُدْرَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾، ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾، "لَا يَئُودُهُ" أَيْ: لَا يُكْرِثُهُ وَلَا يُثْقِلُهُ وَلَا يُعْجِزُهُ، فَهَذَا النَّفْيُ لِثُبُوتِ كَمَالِ ضِدِّهِ " اهـ [8]
وقال: " قَوْلُهُ: (وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ):
هَذِهِ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ الَّتِي دَعَتْ إِلَيْهَا الرُّسُلُ كُلُّهُمْ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَإِثْبَاتُ التَّوْحِيدِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ بِاعْتِبَارِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ الْمُقْتَضِي لِلْحَصْرِ " اهـ [9]
لقد بين الإمام ابن ابي العز الحنفي في شرحه لكلام الإمام الطحاوي تعالى ان التوحيد على ثلاثة اقسام، وان المفهوم من متن الإمام الطحاوي اثبات انواع التوحيد التي يقول بها اهل العلم من اهل السنة، ثم استدل في شرحه على نصوص من الشرع..
[1]- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء – محمد بن حبان البستي - ج 1 ص 14.
[2]- سراج الملوك – أبو بكر محمد بن محمد ابن الوليد الطرطوشي المالكي - ص 1 .
[3]- الحجة في بيان المحجة – إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الملقب بقوام السنة - ج 1 ص 122 – 124 .
[4]- الفقه الأبسط – ابو حنيفة النعمان بن ثابت - ص 135 .
[5]- متن الطحاوية بتعليق الألباني - أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الحنفي - ص 31 .
[6]- شرح العقيدة الطحاوية –علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي - ج 1 ص 11 .
[7]- شرح العقيدة الطحاوية –علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي - ج 1 ص 26 .
[8]- شرح العقيدة الطحاوية –علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي - ج 1 ص 32 .
[9]- شرح العقيدة الطحاوية –علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي - ج 1 ص 34 .
[10]- الصحاح في اللغة - أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري – ج 2 ص 279 .