الشيعة والفرق الضالة كثيرًا ما ينقلون أحاديث وكتابات مزورة أو مبتورة لتدعيم معتقداتهم الباطلة، متجاهلين أن الكتاب والسنة هما المصدر الموثوق للعلم. ومن أبرز محاولاتهم، تشويه أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وإيهام الناس بأنه طعن في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. في هذا المقال، نكشف حقيقة موقف ابن تيمية رحمه الله من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مستندين إلى أقواله الموثقة في مجموع الفتاوى والمنهاج، ونوضح سياق كلامه الذي أسيء فهمه أو تحريفه من قبل بعض المؤرخين المعاصرين والرافضة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإننا نسمع بين الفينة والأخرى أقوالاً ونقرأ مؤلفات وكتابات تنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أقوالاً ظاهرها الطعن في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فلما بحثت أصول تلك الأقوال في كلامه رحمه الله وجدتها على أصناف:
1-صنف من كذب على شيخ الإسلام وافترى عليه افتراءً واضحاً.
2-ومنهم من نقل عن شيخ الإسلام رحمه الله نقلاً محرفاً مبتوراً.
3-ومنهم من نقل أقوالاً لابن تيمية رحمه الله، وكان ابن تيمية قد ذكرها نقلاً عن غيره من باب رد الشبهة بالشبهة ومن باب إلزام الخصوم.
4-منها ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في سياق الرد على الروافض لا في سياق التقرير والاعتقاد.
5-ومنها ما كان ملتبساً غامضاً أخذه هؤلاء وفسروه كما يحبون، وقدموا سوء الظن على حسن الظن.
وأنا هنا لا أريد مناقشة تلك الأقوال التي نقلها بعضهم بتحريف أو بتر، أو بتجريدها من سياقها العام؛ وإنما هدفي من هذا كله، هو أن أبرز الأقوال التي قررها ابن تيمية رحمه الله في خلافة علي رضي الله عنه، وذَكَرَها في سياق التبني والتقرير والاعتقاد، والتي أغفلها الناقلون عنه لأسباب الله أعلم بها.
ولعل الذين ينقلون عن ابن تيمية رحمه الله تلك الأقوال التي ظاهرها الطعن في خلافة علي رضي الله عنه، إنما يريدون الانتصار لأهوائهم المنحرفة، فيذهبون إلى أقوال الشيخ رحمه الله ويخرجونها من سياقها أو يسيئون تفسيرها، أو يبترونها ثم يستشهدون بها لخدمة آرائهم، حالهم كحال الذين يستخدمون الأحاديث الموضوعة وينسبونها للنبي صلى الله عليه وسلم.
و كان الهدف من هذه المقالة هي:
1- إظهار الأقوال الصحيحة لشيخ الإسلام ابن تيمية ودفاعه عن خلافة علي رضي الله عنه.
2- الدفاع عن شيخ الإسلام رحمه الله ضد من يتهمونه بالنصب، مع غمطهم لمثل هذه الأقوال، أو عدم معرفتهم بها، ولا أظن منصفاً يعرف هذه الأقوال ثم يتهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنه من أعداء علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
3- الرد على من يحرف أقوال شيخ الإسلام رحمه الله أو يسوقها في سياق لا يريده ابن تيمية ولا يعنيه، مثل كثير من المؤرخين المعاصرين الذين يوردون أقوالاً لشيخ الإسلام رحمه الله في ظاهرها الطعن في خلافة علي رضي الله عنه، ويتركون الأقوال المحكمة في إثباتها ويتمسكون بتلك الأقوال المشتبهة أو التي كان سياقها سياق رد وليس سياق تحرير وتقرير؛ وهم بهذا العمل يظلمون الحقائق ويظلمون شيخ الإسلام شعروا أو لم يشعروا.
ومما ينبغي التنبيه عليه:
أن كثيراً مما انتقد على ابن تيمية رحمه الله إنما نقله عن غيره كابن حزم وابن بطة وابن حامد الحنبلي وغيرهم، فهو يورد الأقوال الضعيفة للرد على أقوال الشيعة الأكثر ضعفاً من باب رد الشبهة بالشبهة - كما ذكرت -، ولكنه عندما يقرر ويذكر عقيدة أهل السنة ومذهبهم، لا يذكر تلك الأقوال التي قد يفهم منها – بحق أو بباطل – تنقصاً وطعناً لخلافة علي رضي الله عنه.
والحقيقة أنني وجدت لابن تيمية رحمه الله أقوالاً كثيرة، أجزم بأنها تحمل في طياتها براءة كاملة لابن تيمية رحمه الله في دعوى أنه يطعن في خلافة علي رضي الله عنه، وهي كثيرة جداً.
نذكر منها ما يلي:
1- أورد شيخ الإسلام حديث سفينة، فقال: عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء) أو قال: (الملك)، قال سعيد قال لي سفينة: أمسك مدة أبي بكر سنتان، وعمر عشر، وعثمان اثنتا عشرة، وعل كذا، قال سعيد: قلت لسفينة: أن هؤلاء يزعمون أن علياً لم يكن بخليفة، قال: كذبت أستاه بني الزرقاء، يعني بني مروان. الحديث صحيح صححه أحمد وغيره من الأئمة. المنهاج (1/515).
2- وقال رحمه الله: والصحيح الذي عليه الأئمة أن علياً رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين بهذا الحديث – يقصد حديث سفينة -، فزمان علي كان يسمي نفسه أمير المؤمنين والصحابة تسميه بذلك، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ومن لم يربع بعلي رضي الله عنه في الخلافة فهو أضل من حمار أهله، ومع هذا فلكل خليفة مرتبة. مجموع الفتاوى (4/479).
3- وقال رحمه الله: لكن اعتقاد خلافته وإمامته ثابت بالنص وما ثبت بالنص وجب اتباعه وإن كان بعض الأكابر تركه. مجموع الفتاوى (4/440).
4- وقال رحمه الله: وعلي رضي الله عنه لم يقاتل أحداً على إمامة من قاتله، ولا قاتل أحداً على إمامته نفسه، ولا ادعى أحد قط في زمن خلافته أنه أحق بالإمامة منه، لا عائشة ولا طلحة ولا الزبير ولا معاوية وأصحابه، ولا الخوارج، بل كل الأمة كانوا معترفين بفضل علي وسابقته بعد قتل عثمان، وأنه لم يبق في الصحابة من يماثله في زمن خلافته. المنهاج (6/328).
5- وقال رحمه الله: وكذلك علي، لم يتخاصم طائفتان في أن غيره أحق بالإمامة منه، وإن كان بعض الناس كارهاً لولاية أحد من الأربعة فهذا لابد منه فإن من الناس من كان كارهاً لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف لا يكون فيهم من يكره إمامة بعض الخلفاء. المنهاج (6/329).
6- وقال رحمه الله: وليس في الصحابة بعدهم (الخلفاء الثلاثة) من هو أفضل من علي، ولا تُنازع طائفة من المسلمين بعد خلافة عثمان في أنه ليس في جيش علي أفضل منه، ولم تفضّل طائفة معروفة عليه طلحة والزبير، فضلاً أن يفضل عليه معاوية، فإن قاتلوه مع ذلك لشبهة عرضت لهم فلم يكن القتال له لا على أن غيره أفضل منه ولا أنه الإمام دونه ولم يتسمَّ قط طلحة والزبير باسم الإمارة ولا بايعهما أحد على ذلك. المنهاج (6/330).
7- وقال رحمه الله: وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، آخر الخلفاء الراشدين المهديين. مجموع الفتاوى (3/406).
8- وقال رحمه الله: لكن المنصوص عن أحمد تبديع من توقف في خلافة علي وقال: هو أضل من حمار أهله، وأمر بهجرانه، ونهى عن مناكحته، ولم يتردد أحمد ولا أحد من أئمة السنة في أنه ليس غير علي أولى بالحق منه ولا شكوا في ذلك، فتصويب أحدهما – علي أو من خالفه – لا بعينه تجويز لأن يكون غير علي أولى منه بالحق وهذا لا يقوله إلا مبتدع ضال فيه نوع من النصب وإن كان متأولاً. مجموع الفتاوى (4/438).
9- وقال رحمه الله: نصوص أحمد على أن الخلافة تمت بعلي كثيرة جداً. مجموع الفتاوى (35/26).
10- وقال رحمه الله: وجماهير أهل السنة متفقون على أن علياً أفضل من طلحة والزبير فضلاً عن معاوية وغيره. المنهاج (4/358).
11- وقال رحمه الله عند الكلام على حديث (ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار). حديث صحيح متفق عليه واللفظ للبخاري.
قال: وهذا أيضاً يدل على صحة إمامة علي ووجوب طاعته وإن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة، وأن الداعي إلى مقاتلته داع إلى النار، وهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي، وعلى هذا فمقاتله مخطئ وإن كان متأولاً أو باغ بلا تأويل وهو أصح القولين لأصحابنا، وهو الحكم بتخطئة من قاتل علياً وهو مذهب الأئمة والفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين. مجموع الفتاوى (4/437).
12- وقال رحمه الله: ثبت بالكتاب والسنة إجماع السلف على أنهم – علي وخالفوه – مؤمنون مسلمون وأن علي بن أبي طالب والذين معه كانوا أولى بالحق من الطائفة المقاتلة له.مجموع الفتاوى (4/ 433).
13- وقال رحمه الله: مع أن علياً كان أولى بالحق ممن فارقه، ومع أن عماراً قتلته الفئة الباغية كما جاءت به النصوص، فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله، ونقر بالحق كله، ولا يكون لنا هوى ولا نتكلم بغير علم، بل نسلك سبيل العلم والعدل وذلك هو اتباع الكتاب والسنة، فأما من تمسك ببعض الحق دون بعض، فهذا منشأ الفرقة والاختلاف. مجموع الفتاوى (4/450).
14- وقال رحمه الله: ويروى أن معاوية تأول أن الذي قتله – أي عمار بن ياسر – هو الذي جاء به – أي علي بن أبي طالب – دون مقاتليه، وأن علياً رد هذا التأويل بقوله: فنحن إذاً قتلنا حمزة – يعني يوم أحد -، ولا ريب أن ما قال علي هو الصواب. مجموع الفتاوى (35/77).
15- وقال رحمه الله: والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم. مجموع الفتاوى (3/282).
16- وقال رحمه الله: وهؤلاء – أي الخوارج – لما خرجوا في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قاتلهم هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتحضيضه على قتالهم واتفق على قتالهم جميع أئمة الإسلام. مجموع الفتاوى (3/382).
17- وقال رحمه الله: ويقولون – أي أهل السنة – أن المسلمين لما افترقوا في خلافته فطائفة قاتلته، وطائفة قاتلت معه، كان هو وأصحابه أولى الطائفتين بالحق، كما ثبت في الصحيحين – ثم ذكر حديث الخوارج، إلى أن قال -: فهؤلاء هم الخوارج المارقون الذين مرقوا فقتلهم علي وأصحابه فعُلم أنهم كانوا أولى بالحق من معاوية رضي الله عنه وأصحابه. المنهاج (4/358).
18- وقال رحمه الله: ولم يسترب – أي يشك – أئمة السنة وعلماء الحديث أن علياً أولى بالحق وأقرب إليه كما دل عليه النص. مجموع الفتاوى (4/438).
19- وقال رحمه الله: مع العلم بأن علياً وأصحابه هم أولى الطائفتين بالحق كما في حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين فيقتلهم أولى الطائفتين بالحق) وهذا في حرب الشام. مجموع الفتاوى (35/51).
20- وقال رحمه الله: وقد أخرجنا في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تمرق مارقة من الدين على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق) وهؤلاء المارقون هم الخوارج الحرورية الذين مرقوا لما حصلت الفرقة بين المسلمين في خلافة علي فقتلهم علي بن أبي طالب وأصحابه فدل هذا الحديث الصحيح على أن علي بن أبي طالب أولى بالحق من معاوية وأصحابه. الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص 18).
21- وقال رحمه الله: وكان في جهال الفريقين – فريق علي ومعاوية – من يظن بعلي وعثمان ظنوناً كاذبة برأ الله منهما علياً وعثمان: كان يُظن بعلي أنه أمر بقتل عثمان، وكان علي يحلف وهو البار الصادق بلا يمين أنه لم يقتله ولا رضي بقتله ولم يمالئ على قتله، وهذا معلوم بلا ريب من علي رضي الله عنه. مجموع الفتاوى (35/73).
وبعد أن بينت موقف شيخ الإسلام قدس الله روحه من علي بن ابي طالب رضي الله عنه، وأنه رحمه الله متبع منهج السلف في محبته، اعرض هنا ما نقله الشيخ سليمان بن صالح الخراشي في كتابه (شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن ناصبيًا) عن الأسباب التي ادت بهم إلى اتهام ابن تيمية بالنصب.
فالشيخ رحمه الله يبين قول الرافضة وغلوهم في علي ابن ابي طالب وطعنهم في الصحابة، فيدحض قولهم بقول النواصب وقدحهم في علي رضي الله عنه، ثم يعرض قول اهل السنة والجماعة اهل الوسطية في هذا الخلاف، فينقل عنه قدس الله روحه الكلام مبتورا لأن من يطعن في الشيخ ينقل نقله عن النواصب ويعزيه للشيخ.
يقول الشيخ صالح الخراشي ص47؛ (وشيخ الإسلام امام سيل جارف من الغلو المكذوب في علي رضي الله عنه وأمام حمم متدفقه من الأكاذيب في سبيل الطعن في الصحابة – رضوان الله عليهم – فماذا يصنع؟
إن المتأمل لهذه الظروف التي عاشها شيخ الإسلام أمام هذا الكتاب يجد له خيارين:
الخيار الأول؛ وهو المشهور عند العلماء وأصحاب التأليف؛ هو أن يقوم شيخ الإسلام بدفع الطعون عن الصحابة ببيان كذبها وأنها مختلفة، فكلما رمى الرافضي بشبهة أو طعن على صحابي قام شيخ الإسلام بردها أو برده بكل اقتدار لينفيه عن هذا الصحابي…)
وهو خيار جيد ومقبول لو كان الخصم غير الرافضي، أي لو كان الخصم ممن يحتكمون في خلافاتهم إلى النقل الصحيح أو العقل الصريح) والرافضة ليسوا كذلك بالطبع.
قال الخراشي ص48؛ (الخيار الثاني؛ وهو الذي اختاره شيخ الإسلام لأنه يراه مفعول فعال في مواجهة أكاذيب الروافض وغلوهم المستطير…) ثم قال(وهذا الخيار يرى أن أجدى طريقة لكف بأس الروافض هو مقابلة شبهاتهم بشبهات خصومهم من الخوارج والنواصب، أي مقابلة هذا الطرف بذاك الطرف المقابل له، ليخرج من بينهما الرأي الصحيح الوسط.
فكلما قال الرافضي شبهة أو طعنا في أحد الخلفاء الثلاثة – أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – قابلها شيخ الإسلام بشبهة مشابهة للنواصب والخوارج في علي رضي الله عنه.
وهو لا يقصد بهذا تنقص علي – رضي الله عنه – والعياذ بالله، وإنما بقصد إحراج الروافض، وكفهم عن الإستمرار في تهجمهم على الصحابة، لأنه ما من شيء من الطعون التهم سيثبتونه على واحد من الصحابة إلا وسيثبت الخوارج والنواصب مماثلا له في علي رضي الله عنه.
وهذا يخرس ألسنة الروافض، لأنهم في النهاية سيضطرون إلى أن تضع حربهم على الصحابة أوزارها عندما يرون شبههم وأكاذيبهم تقابل بما يناقضها في علي – رضي الله عنه، فعندها سيبادرون إلى أن يختاروا السلم وعدم ترديد الشبهات حفاظا على مكانة علي أن يمسسها احد بسوء.
فهذه حيلة من شيخ الإسلام ضرب بها النواصب بالروافض ليسلم من شرهم جميعا، وهذا ما لم يفهمه أو تجاهل عنه من بادر باتهامه بتلك التهمة الظالمة.
وهنا أسرد مثالا اظنه كافي لبيان طريقة شيخ الإسلام في رده على الرافضة:
كما نقله الشيخ الخراشي:
قال شيخ الإسلام قدس الله روحه؛ (وهؤلاء الذين نصبوا العداوة لعلي ومن والاه، وهم الذين استحلوا قتله وجعلوه كافرا، وقتله أحد رؤوسهم (عبد الرحمن بن ملجم المرادي) فهؤلاء النواصب الخوارج المارقون إذا قالوا؛ أن عثمان وعلي أبن ابي طالب ومن معهما كانوا كفار مرتدين، فإن من حجة المسلمين عليهم ما تواتر من إيمان الصحابة، وما ثبت بالكتاب والسنة الصحيحة من مدح الله تعالى لهم، وثناء الله عليهم، ورضاه عنهم، وإخباره بأنهم من اهل الجنة، ونحو ذلك من النصوص، ومن لم يقبل هذه الحجج لم يمكنه أن يثبت إيمان علي بن أبي طالب وأمثاله.
فأنه لو قال هذا الناصبي للرافضي؛ أن عليا كان كافرا، أو فاسقا ظالما، وأنه قاتل على الملك؛ لطلب الرياسة؛ لا للدين، وأنه قتل من اهل الملة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ بالجمل وصفين وحروراء ألوفا مؤلفة، ولم يقاتل بعد النبي صلى الله عليه وسلم كافرا، ولا فتح مدينة، بل قاتل أهل القبلة، ونحو هذا الكلام – الذي تقوله النواصب المبغضون لعلي – رضي الله عنه – لم يمكن أن يجيب هؤلاء النواصب إلا اهل السنة والجماعة؛ الذين يحبون السابقين الأولين كلهم.
فيقولون لهم؛ أبو بكر، عمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، ونحوهم، ثبت بالتواتر إيمانهم وهجرتهم وجهادهم، وثبت في القرآن ثناء الله عليهم، والرضى عنهم، وثبت بالأحاديث الصحيحة ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم خصوصا وعموما، كقوله في الحديث المستفيض عنه: (لو كنت متخذا من اهل الأرض خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا)، وقوله: (إنه كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي فعمر)، وقوله عن عثمان: (ألا يستحي ممن تستحي منه الملائكة)؟ وقوله في لعلي: (لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه)، وقوله: (لكل نبي حواريون، وحواريي الزبير) وأمثال ذلك.
وأما الرافضي فلا يمكنه إقامة الحجة على من يبغض عليا من النواصب، كما يمكن ذلك أهل السنة، الذين يحبون الجميع)، انتهى كلام شيخ الإسلام قدس الله روحه ونور ضريحة.
(مجموع الفتاوى (4/468 – 469))
والنقولات عن شيخ الإسلام كثيرة تلقم كل من يحاول اتهامه بالنصب حجرا، فرحمه الله رحمة واسعة وجمعه مع بقية اولياء الله والصديقين في جنة الفردوس الأعلى، وجمعنا وأياكم مع شيخ الإسلام في دار النعيم الخالد.