التشبيه والتجسيم في الفكر الشيعي الإمامي
التشبيه والتجسيم في الفكر الشيعي الإمامي: بين الانحراف العقدي والردود الداخلية
مقدمة
قضية التشبيه والتجسيم تُعد من القضايا الخطيرة في علم العقيدة، وهي من المسائل التي أثارت جدلًا كبيرًا في تاريخ الفرق الإسلامية. ويُقصد بـ(التشبيه): إلحاق صفات الخلق بالخالق عز وجل، كأن يُقال إن لله جسمًا، أو صورة، أو أن له هيئة معينة تُشبه المخلوقات. وقد تكرر في المصادر السنية والشيعية أن بعض متكلمي الشيعة وقعوا في هذا الباب، مما أثار ردودًا شديدة من داخل مذهبهم نفسه.
ظهور التشبيه بين متكلمي الشيعة
أشار عدد من علماء أهل السنة – كالفخر الرازي وابن حزم – إلى أن بواكير القول بـ(التجسيم) ظهرت بين الرافضة، وذكروا أسماء بعض متكلمي الشيعة الذين نسب إليهم هذا القول، منهم:
- هشام بن الحكم
- هشام بن سالم الجواليقي
- يونس بن عبد الرحمن القمي
- أبو جعفر الأحول
وقد نُقل عن هشام بن الحكم – كما قال ابن حزم – أنه صرّح بأن (الله تعالى سبعة أشبار بشبر نفسه)! وهو قول يدل على التجسيم الصريح والتشبيه المحض.
موقف كتب الشيعة المعتمدة من قضية التجسيم
عند الرجوع إلى أهم مصادر الشيعة الإمامية، كـالكافي للكليني، والتوحيد لابن بابويه القمي، وبحار الأنوار للمجلسي، نجد إشارات إلى حصول انقسام داخلي في صفوف الشيعة في القرن الثالث الهجري حول صفات الله تعالى، وخصوصًا ما يتعلق بـ(التجسيم).
وقد وردت رواية في كتاب التوحيد عن (سنة 255هـ) تُشير إلى أن بعض الشيعة كانوا يقولون بأن الله جسم أو صورة، مما دفع الإمام الحسن العسكري – حسب ما ترويه هذه الكتب – إلى الرد الصريح والحاد على هذه المزاعم.
رد الإمام العسكري على دعوى التجسيم
جاء في رواية مشهورة عن سهل قال فيها إنه كتب إلى الإمام الحسن العسكري يطلب منه توضيح موقف الدين من وصف الله بالجسم أو الصورة، وجاء في الجواب:
"سألت عن التوحيد، وهذا عنكم معزول. الله واحد أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. خالق وليس بمخلوق، يخلق ما يشاء من الأجسام ويصور ما يشاء، وليس بمصور. جل ثناؤه وتعالت أسماؤه، وتعالى أن يكون له شبيه، هو لا غيره، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
موقف الإمام الرضا من روايات التشبيه
روى بعض الشيعة أنهم دخلوا على الإمام علي بن موسى الرضا، وذكروا له أن بعض المتكلمين من الشيعة – كهشام بن سالم وصاحب الطاق – يقولون إن (الله أجوف إلى السرّة أو على هيئة شاب). فكان رد الإمام صادمًا:
"سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك، فمن أجل ذلك وصفوك! سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك!"
الموازنة في ألفاظ الصفات
من الأمور المهمة أن بعض الألفاظ مثل (الجسم) أو (الصورة) لا تثبت ولا تُنفى بذاتها، وإنما يُنظر في المعنى المقصود منها. فإن أُريد بها ما يليق بالله نُظر فيه، وإن كان المعنى مُتضمنًا تشبيهًا أو نقصًا، فإنه يُرد. ولهذا وجب التفصيل والتمييز بين الألفاظ المجملة، بدلًا من الإطلاق المُضلل.
خاتمة
يتضح من هذا العرض أن (التشبيه والتجسيم) وُجد كتيار فكري شاذ داخل بعض فرق الشيعة في القرون الأولى، وكان له روّاد معروفون، لكنه قوبل بردود داخلية شديدة من أئمة أهل البيت، كما تزعمهم الشيعة. ورغم ذلك، تبقى آثار هذه الأقوال موجودة في كتبهم التراثية، مما يجعلها محط انتقاد شديد من علماء أهل السنة، الذين يرون في هذه الأقوال تجاوزًا صريحًا لمبدأ (التنزيه) الذي هو أساس التوحيد.