مسار الخط الشيعي
من بناء نظرية الإمامة إلى هدمها
تُعَدّ نظرية الإمامة حجر الأساس في البناء العقدي للمذهب الشيعي الإمامي، إذ قامت على فكرة النص الإلهي والتعيين المباشر لعليٍّ رضي الله عنه ومن بعده لأئمةٍ مخصوصين من ذريته، يتوارثون الإمامة جيلاً بعد جيل. غير أن مسار هذه النظرية لم يسر على نسق واحد، بل واجه عبر التاريخ أزمات فكرية وعقائدية كبرى، كان أبرزها مأزق اختفاء الإمام الثاني عشر وما تبعه من تفسيرات وبدائل عقدية غيّرت معالم الفكرة الأصلية حتى انتهت إلى نقيضها.
وفي هذا المقال، نسلّط الضوء على المراحل التي مرت بها نظرية الإمامة عند الشيعة، من نشأتها وتطورها إلى العوامل التي أدت إلى انهيارها العملي والفكري عبر ما سُمّي بخطي الهدم الأول والثاني.
النظرية
الشيعة الإمامية يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عين عليًا للإمامة بالاسم والنص الصريح، وأن هذه الإمامة تستمر في ذريته من الحسن والحسين، ثم تتسلسل بشكل وراثي عمودي في ذرية الحسين، وكل إمام يوصي بالإمام الذي بعده.
من دون تحديد
لم تكن فكرة الإمامة من البداية محددة الملامح، فمن المفترض أن تُنفذ من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة (أي لا تنتهي). ومن هنا نشأت نظرية الإمامة المعصومة والمتسلسلة.
فالإمام عند الشيعة ليس مجرد زعيم ديني، بل هو حاكم شرعي، وحجة الله في أرضه، وهو المعصوم من الخطأ والنسيان والزلل، ويجب أن يكون منصوبًا من الله بنص صريح من النبي.
قال هشام بن الحكم: "لا بد من أن يكون لله في كل زمان قائم بحججه، وإلا بطلت الصفة الإلهية، ولابد من أن يكون في كل زمان قائم بهذه الصفة (العصمة)، إلى أن تقوم الساعة"
(الصّدوق، علل الشرائع ١/٢٤٠).
مأزق الحسن العسكري
بعد وفاة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري في سامراء سنة 260هـ دون إعلانه عن وجود خلف له، أحدث ذلك مأزقًا كبيرًا بشأن مصير الإمامة. فانشقت الشيعة إلى أرجح عشر فرق، كما يقول النوبختي في فرق الشيعة، من بينها من قالت بوجود خلف للإمام العسكري، وأن اسمه محمد، أخفاه أبوه خوفًا من بطش العباسيين، وسُمّوا تلك الفترة بمرحلة الغيبة الصغرى.
إنقاذ التشيع بالرقم 12
من هذه الحيرة، وطول مدة الغيبة، نشأ الاعتقاد بوجوده. فظهرت نظرية الأئمة الاثني عشر فقط، وأن الأخير هو المهدي المنتظر، وقد دخل في الغيبة الكبرى.
وبني على ذلك اختلاف عدد كبير من الروايات الخاصة بهذا العدد ونسبته للمهدي ووجوب انتظاره.
خط الهدم الأول:
التزم الشيعة الأوائل بعقيدة الانتظار للإمام، وبالتالي رفضوا الاجتهاد في المسائل الفقهية، واعتمدوا مجرد روايات النصوص عن فقه وأوامر الأئمة في قيام الدولة وتنظيم الشؤون من جباية الزكاة وإمضاء الحدود والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلاة الجمعة وغيرها.
لذا تأجل العمل بكل هذا حتى ظهور الإمام المهدي، وهذا الخط يهدم نظرية الإمامة من ناحيتين:
1) إن نظرية تحديد الأئمة وضرورة وجود إمام معصوم في كل زمان فقدت قيمتها، لأن الشيعة أنفسهم عجزوا عن تحديده، وتقول رواياتهم بغيابه.
2) في المقابل فإن عقيدة الغيبة والانتظار ضمن هذا الخط تعني تعطيل الشريعة خلال فترة الغيبة، وهو أمر لا يقبله الإسلام الذي يجعل إقامة الشريعة واجبًا في كل حال وزمان.
خط الهدم الثاني:
نشأ في صفوف الشيعة تيار آخر دعا الفقهاء إلى الاجتهاد في المسائل الدينية، ثم إجازة بعض الولايات كإقامة الزكاة والخمس، ثم ما لبث الأمر أن تطور إلى القول بالولاية العامة للفقهاء ( ولاية الفقيه ) التي أعطت الفقيه منزلة تساوي منزلة الإمام.
يقول الخميني في "الحكومة الإسلامية":
"تثبت نفس الولاية التي كانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على جميع الناس، للفقيه الجامع للشرائط، لأن نفس الدليل الذي أثبت تلك الولاية للنبي والإمام عليهما السلام يثبتها للفقيه أيضًا."
وهذا الخط قد هدم نظرية الإمامة نهائيًا، حيث أعطى للفقهاء نفس صلاحيات الأئمة، وتنازل عن أهم أركان النظرية التي تشترط أن يكون الإمام معصومًا ومنصوصًا عليه بنص إلهي، أي أنه لم تعد هناك حاجة للإمام ولا ضرورة لشرط النص والعصمة.
