الخضر عليه السلام: هل هو حيٌّ أم ميت؟
قضية حياة الخضر عليه السلام من القضايا التي تناقلها الناس كثيرًا، خاصة في كتب القصص والمواعظ، بل بنى عليها بعض الطرق الصوفية المنحرفة اعتقاداتٍ باطلة تزعم لقاء الأولياء به واستمدادهم منه. ومع ذلك، فإنّ التحقيق العلمي والرجوع إلى المصادر الحديثية والتفاسير المعتبرة يُثبت أنّ القول بحياة الخضر باطلٌ لا دليل عليه، بل هو مخالفٌ لصريح القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، كما بيّن ذلك أئمة الإسلام كابن تيمية وابن القيم وابن حجر والبخاري وغيرهم.
وسيتناول هذا المقال بيان بطلان القول بحياة الخضر عليه السلام، من خلال أقوال الأئمة المعتبرين، مع ذكر الأحاديث الموضوعة في ذلك، ثمّ يُعرض الردّ على أهم الشبهات المثارة حول هذه المسألة.
نص الحديث وحقيقته:
(لو كان الخضر حيا لزارني)
لا أصل له، صرح العلامة الآلوسي بأنه خبر موضوع
(روح المعاني15/321).
قال الحافظ العسقلاني «لم يثبت مرفوعا». وقال الحافظ الخيضري «لا يعرف له إسناد وإنما هو من اختلاق بعض الكذابين» انتهى.
(نقلا من كتاب الأسرار المرفوعة للشيخ ملا علي قاري1/294).
ونقل الشوكاني وملا علي قاري والشيخ عبد الرحمن بن درويش الحوت عن ابن حجر أنه لا يثبت
(الفوائد المجموعة1/80 الأسرار المرفوعة1/207 أسنى المطالب1/151).
بل نقله السخاوي عن ابن حجر بأنه لا يثبت
(المقاصد الحسنة1/363).
وقال عنه ابن تيمية «الحديث لا أصل له»
(مجموع الفتاوى4/339).
قلت: لو صح لكان حجة على الصوفية الذين يجعلونه حيا جوالا سواحا في البلاد.
وقد احتج الرافضة:
بما ورد في مجموع الفتاوى (4/338) من أن الخضر حي والظاهر أن ابن تيمية كان يورد قول الفريقين المختلفين حوله. وقد رأينا حسم ابن تيمية للمسألة حيث قال «القول الفصل في الخضر عليه السلام والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت وأنه لم يدرك الإسلام ولو كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوجب عليه أن يؤمن به ويجاهد معه كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره ولكان يكون في مكة والمدينة ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى به من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم ولم يكن مختفيا عن خير أمة أخرجت للناس وهو قد كان بين المشركين ولم يحتجب عنهم ثم ليس للمسلمين به وأمثاله حاجة لا في دينهم ولا في دنياهم فإن دينهم أخذوه عن الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وآله» (زيارة القبور1/70).
|
مختارات من مقالات السقيفة |
|
الشيعة الإمامية يخرجون النبي ﷺ من عداد الأئمة |
والخضر نبي وليس بوليّ بدليل قوله تعالى ﴿آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا﴾ وقوله ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾. والدليل من السنة ما رواه ابْنِ عُمرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ على رَأْسِ مِئَةِ سَنَةٍ لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلى ظَهْرِ الأَرْضِ اليَوْمَ أَحدٌ» متفقٌ عليه.
وقد ذهب إلى نبوة الخضر عامة المفسرين كابن كثير (البداية والنهاية1/328) والنسفي والبغوي وابن الجوزي وابن حجر وقال القرطبي: «هو نبي عند الجمهور والآية تشهد بذلك. لأن النبي لا يتعلم ممن دونه، ولأن الحكم بالباطن لا يطلع عليه إلا الأنبياء» (فتح الباري6/434 و8/422) وقال الشوكاني: «ذهب الجمهور إلى نبوته» (فتح القدير 3/304) وقد خالف في ذلك النووي والقشيري واليافعي وعامة الصوفية.
وقد رد الرازي في تفسيره على القائلين بنبوة الخضر. لكنه تناقض حين فسر قوله تعالى: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ بقوله: يعني ما فعلت ما رأيت من هذه الأحوال عن أمري واجتهادي ورأيي. وإنما فعلته بأمر الله ووحيه لأن الإقدام على تنقيص أموال الناس وإراقة دمائهم لا يجوز إلا بالوحي القاطع (التفسير الكبير للرازي 21/162)] وكليمه موسى، على نبينا وعليه السلام.
يقول الحافظ ابن القيم:
"الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد ".
كحديث: إن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ كان في المسجد فسمع كلاماً من ورائه، فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر.
وحديث: يلتقي الخضر وإلياس كل عام.
وحديث: يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر. الحديث المفترى الطويل.
سئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق، فقال: من أحال على غائب لم ينتصف منه وما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.
وسئل البخاري عن الخضر وإلياس؛ هل هما أحياء؟
فقال: كيف يكون هذا وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ لا يبقى على رأس مئة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد.
وسئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 34]
وسئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال:
لو كان الخضر حيا لوجب عليه أن يأتي النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ ويجاهد بين يديه، ويتعلم منه، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ يوم بدر: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض. وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم فأين كان الخضر حينئذ.
قال أبو الفرج بن الجوزي:
والدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء.. القرآن، والسنة، وإجماع المحققين من العلماء، والمعقول.
◘ أما القرآن؛ فقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الأنبياء: 34] فلو دام الخضر كان خالداً.
◘ وأما السنة؛ فذكر حديث: " أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو اليوم عليها أحد ". متفق عليه.
وفي صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -؛ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ قبل موته بقليل: " ما من نفس منفوسة يأتي عليها مئة سنة وهي يومئذ حية ".
◘ وأما إجماع المحققين من العلماء؛ فقد ذكر عن البخاري، وعلي بن موسى الرضا، أن الخضر مات. وأن البخاري سئل عن حياته، فقال: وكيف يكون ذلك وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: " أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد ".
|
مختارات من مقالات السقيفة |
|
شبهة آية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك) على جواز التوسل بالنبي بعد وفاته؟ الشيعة تكفر آل البيت خارج الأئمة الاثني عشر |
◘ قال: وممن قال إن الخضر مات إبراهيم بن إسحاق الحربي، وأبو الحسين بن المنادي، وهما إمامان وكان ابن المنادي يقبح قول من يقول: إنه حي.
وحكى القاضي أبو يعلى موته عن بعض أصحاب أحمد، وذكر عن بعض أهل العلم أنه احتج بأنه لو كان حيا لوجب عليه أن يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
◘ وقال: حدثنا أحم د، حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا هشيم، أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني ". فكيف يكون حياً ولا يصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الجمعة والجماعة ويجاهد معه؟ ألا ترون أن عيسى – عليه السلام - إذا نزل إلى الأرض يصلي خلف إمام هذه الأمة ولا يتقدم لئلا يكون ذلك خدشا في نبوة نبينا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟!
قال أبو الفرج:
وما أبعد فهم من يثبت وجود الخضر وينسى ما في طي إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة.
◘ المصدر: المنار المنيف في الصحيح والضعيف، لابن القيم، ص67-76، ط: مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب.
الشبهة والردّ عليها:
الشبهة: بعض الصوفيّة والرافضة زعموا أنّ الخضر حيٌّ، وأنّه يجوب الأرض إرشادًا للناس.
الردّ: هذا القول مردودٌ بظاهر القرآن والسنة، فالله تعالى نفى الخلد عن البشر جميعًا، والنبي ﷺ نصّ على فناء كلّ من كان على الأرض بعد مئة سنة. كما أنّ وجود الخضر في حياة النبي ﷺ وعدم إيمانه به يناقض وجوب اتّباعه، ولو كان حيًّا لوجب عليه أن يكون مع النبي ﷺ في الجهاد والتعليم، لا مختفيًا عن الأمة.
الخاتمة:
يتبيّن من أقوال الأئمة والمفسّرين أنّ القول بحياة الخضر عليه السلام باطلٌ لا أصل له، وأنّه قد مات قبل الإسلام. كما أنّ الأحاديث الواردة في حياته كلها موضوعة، لا تصحّ سندًا ولا متنًا. والقول الصحيح الذي عليه جمهور المحقّقين أنّ الخضر نبيٌّ من أنبياء الله، لكنه ميت، ومن نسب إليه الخلود فقد خالف النصوص القطعية والإجماع والمعقول.
المصادر:
1) روح المعاني – الآلوسي (15/321)
2) الأسرار المرفوعة – ملا علي قاري (1/294، 1/207)
3) الفوائد المجموعة – الشوكاني (1/80)
4) المقاصد الحسنة – السخاوي (1/363)
5) فتح القدير – الشوكاني (3/304)
6) فتح الباري – ابن حجر (6/434، 8/422)
7) التفسير الكبير – الرازي (21/162)
8) مجموع الفتاوى – ابن تيمية (4/338–339)
9) زيارة القبور – ابن تيمية (1/70)
10) المنار المنيف في الصحيح والضعيف – ابن القيم (ص 67–76)