من القضايا الحديثية الدقيقة التي اهتم بها العلماء قديماً وحديثاً، قضية نزول القرآن على أحرف متعددة، فقد وردت في هذا الباب روايات كثيرة أشهرها حديث «أنزل القرآن على سبعة أحرف»، وهي رواية متواترة تلقاها العلماء بالقبول.
إلا أنّ هناك روايات أخرى جاءت بلفظ مختلف، كحديث «أنزل القرآن على ثلاثة أحرف»، وهو ما أثار جدلاً بين أهل العلم من حيث صحة الإسناد ومعنى المتن، وهل يُعدّ معارضاً للأحاديث الصحيحة أم لا.
وفي هذا المقال سنعرض نص الحديث، وأقوال الأئمة في سنده، وبيان العلل التي أوردها الإمام الألباني رحمه الله، ثم نوضح الوجه الصحيح في الجمع بين الروايات، مع توثيقٍ دقيقٍ للمصادر.
|
نص الحديث وتخريجه: |
قال الإمام الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (ج 6 ص 532 – 534): 2958 (أنزل القرآن على ثلاثة أحرف)
|
مختارات من مقالات السقيفة |
|
- هل ينفع النبي عندكم أيها الشيعة؟ - الكذب والغيبة عند الشيعة من مفطرات الصيام - إلزام (إسحاق هو ذبيح الله وليس اسماعيل عليهما السلام) |
◘ ضعيف
أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (4/195)، والحاكم (2/223)، وأحمد (5/22)، والبزار (ص 226 - زوائده)، وابن عدي (77/2)، وتمام في "الفوائد" (6/110/2) من طريق عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
وقال الحاكم:
"احتج البخاري برواية الحسن عن سمرة، واحتج مسلم بأحاديث حماد بن سلمة، وهذا الحديث صحيح، وليس له علة ". ووافقه الذهبي.
|
فقال الألباني معقبًا: |
بلى فيه علتان:
الأولى: عنعنة الحسن - وهو البصري - فقد كان مدلسا، والبخاري إنما احتج بروايته التي صرح فيها بالتحديث فتنبه.
والأخرى: الاختلاف في لفظه على حماد؛ فرواه عفان عنه هكذا.
وقال بهز: حدثنا حماد بن سلمة.... فساقه بلفظ: ".... سبعة أحرف". أخرجه أحمد (5/16).
◘ قلت: وهذا هو الصواب لموافقته لسائر أحاديث الباب، وقد خرجت بعضها في "صحيح أبي داود" (1327).
|
أقوال العلماء في تضعيف الحديث: |
والحديث أورده ابن عدي في جملة أحاديث أنكرت على حماد بن سلمة، وقال عقبة: "لا أعلم يرويه بهذا الإسناد غير حماد بن سلمة، وقال: "على ثلاثة أحرف"، ولم يقله غيره".
والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" (7/152) بلفظ: "كان يأمرنا أن نقرأ القرآن كما أقرأناه، وقال: إنه نزل على ثلاثة أحرف فلا تختلفوا فيه فإنه مبارك كله، فاقرؤوه كالذي أقرئتموه"؛ وقال: "رواه الطبراني والبزار وقال: "لا تجافوا عنه" بدل "ولا تحاجوا فيه"
وإسنادهما ضعيف".
◘ قلت: كذا الأصل! وأنت ترى أنه ليس فيه "ولا تحاجوا فيه" وإنما "فلا تختلفوا فيه". وكذلك هو في "زوائد البزار" (ص 226). فالله أعلم. وقد أورده السيوطي في "الجامع" من رواية ابن الضريس بلفظ: " فلا تختلفوا فيه ولا تحاجوا فيه " فجمع بين اللفظين.
وإسناد البزار هكذا:
حدثنا خالد بن يوسف: حدثني أبي: حدثنا خبيب بن سليمان عن أبيه عن سمرة.
◘ قلت: وهذا سند ضعيف جدا، خالد بن يوسف - وهو ابن خالد السمتي - قال الذهبي: " أما أبوه فهالك، وأما هو فضعيف "
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة – محمد ناصر الدين الالباني – ج 6 ص 532 – 534
وحتى لو تنزلنا وقلنا أن الأثر معتبر، فلا إشكال في ذلك، وذلك لأن الثلاثة جزء من السبعة، ولم يرد في رواية الثلاثة أحرف ما يدل على الحصر، فيبطل أي إشكال لأي أحد إذا أراد ان يُشكِل به.
|
التحليل والمناقشة: |
من المعلوم أن حديث السبعة أحرف رواه عن النبي ﷺ جمع من الصحابة كعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، وغيرهم رضي الله عنهم، وهو حديث صحيح متواتر.
أما رواية «الثلاثة أحرف» فهي شاذة وضعيفة من جهة السند، ومخالفة لما هو أقوى منها من جهة المتن.
وقد علّل العلماء ضعفها بعلتين:
◘ عنعنة الحسن البصري، وهو مدلس كما نصّ عليه أهل الحديث.
◘ الاضطراب في اللفظ، حيث رُوي عن نفس الإسناد بلفظ «سبعة أحرف» وهو الموافق للصحيح.
ومع ذلك، حتى لو تنزّلنا وقلنا إن الحديث معتبرٌ، فلا تعارض بين اللفظين، لأن الثلاثة داخلة في السبعة، فلا يلزم من ذكرها الحصر، كما قال الألباني:
“ولم يرد في رواية الثلاثة أحرف ما يدل على الحصر، فيبطل أي إشكال يُثار حولها.”
|
المصادر: |
◘ سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة – محمد ناصر الدين الألباني – ج 6 ص 532–534.
◘ مشكل الآثار – الإمام الطحاوي (4/195).
◘ المستدرك على الصحيحين – الحاكم (2/223).
◘ مسند أحمد بن حنبل (5/22، 5/16).
◘ مجمع الزوائد – الهيثم (7/152).
◘ الكامل في الضعفاء – ابن عدي2/77)