من المسائل التي أثارت نقاشًا بين العلماء والمحدثين مسألة نزول القرآن على خمسة أحرف، وهي روايات وردت بألفاظ متقاربة عن بعض الصحابة رضي الله عنهم. وقد اعتنى العلماء ببحث أسانيدها ودراسة متونها لما تتضمنه من بيان لمعاني القرآن وأحكامه. والحديث المشهور في هذا الباب هو ما رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن القرآن نزل على خمسة أحرف: حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. وقد وردت هذه الرواية بعدة طرق، أكثرها لا يخلو من ضعف في السند أو نكارة في المتن، مما دعا أهل العلم إلى تمحيصها ونقدها.

وفي هذا المقال، نعرض الأثر كما رواه الإمام الطبري وغيره، ثم نناقش صحته من حيث السند والمتن، مع بيان أقوال كبار المحدثين في رجال الإسناد، ثم نبين المعنى الصحيح للأثر في ضوء القواعد الحديثية والتفسيرية.

نص الأثر كما رواه الطبري:

قال الإمام الطبري:

 " وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى خَمْسَةِ أَحْرُفٍ: حَلَالٍ، وَحَرَامٍ، وَمُحْكَمٍ، وَمُتَشَابِهٍ، وَأَمْثَالٍ، فَأَحِلَّ الْحَلَالَ وَحَرِّمِ الْحَرَامَ، وَاعْمَلْ بِالْمُحْكَمِ، وَآمِنْ بِالْمُتَشَابِهِ، وَاعْتَبِرْ بِالْأَمْثَالِ "

تفسير الطبري محمد بن جرير الطبري ج 1 ص 64

دراسة السند:

الحديث لا يصح إسنادًا، وعلته الأساسية الأحوص بن حكيم، وقد ضعّفه عدد من كبار أئمة الجرح والتعديل:

مختارات من مقالات السقيفة

  - هل ينفع النبي عندكم أيها الشيعة؟

- الكذب والغيبة عند الشيعة من مفطرات الصيام

- إلزام (إسحاق هو ذبيح الله وليس اسماعيل عليهما السلام)

- إلزام: لماذا الولاية ليست ضمن أركان الإسلام الخمس

- روايات الشيعة في تفسير "أولي الإربة" وتناقضها

 

قال الإمام النسائي: " 62 - الْأَحْوَص بن حَكِيم بن عُمَيْر ضَعِيف شَامي " الضعفاء والمتروكون احمد بن علي بن شعيب النسائي ص 20

وقال الإمام الدار قطني: " 120- الأحوص بن حكيم الحمصي منكر الحديث " الضعفاء والمتروكون ابو الحسن علي بن عمر الدارقطني ج 1 ص 259

وقال الإمام الذهبي: " 499 ق احوص بن حَكِيم الْحِمصِي عَن انس

قَالَ ابْن معِين لَا شَيْء وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيف " المغني في الضعفاء محمد بن احمد الذهبي ج 1 ص 64

قال الحافظ ابن حجر: " 290 الأحوص بن حكيم بن عمير العنسي بالنون أو الهمداني الحمصي ضعيف الحفظ من الخامسة وكان عابدا ق " تقريب التهذيب احمد بن علي بن حجر ص 96

فبناء على ذلك، فالحديث ضعيف الإسناد، لا يثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه.

 

دراسة المتن:

من حيث المتن، فإن الأثر لا يتحدث عن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن من حيث القراءات، بل يتناول أنواع الخطاب القرآني: الحلال، والحرام، والمحكم، والمتشابه، والأمثال.

وهذا يوافق ما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ... وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ (آل عمران: 7).

فالمراد هنا هو تنوع موضوعات القرآن وأغراضه التشريعية والبيانية، وليس المقصود الأحرف السبعة التي خُيّر النبي ﷺ في القراءة بها.

رواية أخرى وردت في فضائل القرآن:

جاء في كتاب فضائل القرآن للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام:

" حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى خَمْسَةِ أَحْرُفٍ: حَلَالٍ، وَحَرَامٍ، وَمُحْكَمٍ، وَمُتَشَابِهٍ، وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ، فَأَحِلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ، وَآمَنُوا بِمُتَشَابِهِهِ، وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ "

فضائل القران ابو عبيد القاسم بن سلام ص 100

لكن هذا الأثر أيضًا ضعيف الإسناد، وفيه علتان رئيسيتان:

1 ضعف ابي بكر بن عبد الله بن ابي مريم:

قال الإمام النسائي: " 668 - أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم ضَعِيف " الضعفاء والمتروكون احمد بن علي بن شعيب النسائي ص 115

وقال الإمام الذهبي: " 4873 - أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني: قيل: اسمه بكر، وقيل: بكير، وقيل: عمر، وليس حديثه بصحيح، ضعفه أحمد وغيره لكثرة حديثه. -د، ت، ق- " ديوان الضعفاء محمد بن احمد الذهبي ص 453

وقال الحافظ ابن حجر: "7974 أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي وقد ينسب إلى جده قيل اسمه بكير وقيل عبد السلام ضعيف وكان قد سرق بيته فاختلط من السابعة مات سنة ست وخمسين د ت ق " تقريب التهذيب احمد بن علي بن حجر ص 623

2 الانقطاع:

 فإن راشد بن سعد تابعي، وليس بصحابي.

  قال الإمام العجلي: " 408- راشد بن سعد: "شامي"، تابعي، ثقة " الثقات - أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي - ص 151

وقال الإمام الذهبي: " 2067 - بخ عه رَاشد بن سعد المقرائي تَابِعِيّ مَشْهُور ثِقَة قَالَ ابْن حزم ضَعِيف " المغني في الضعفاء محمد بن احمد الذهبي ج 1 ص 226

المصادر:

تفسير الطبري محمد بن جرير الطبري ج 1 ص 64

  الضعفاء والمتروكون النسائي ص 20

  الضعفاء والمتروكون الدارقطني ج 1 ص 259

  المغني في الضعفاء الذهبي ج 1 ص 64

  تقريب التهذيب ابن حجر ص 96

  فضائل القرآن أبو عبيد القاسم بن سلام ص 100

الثقات العجلي ص 15