يتناول هذا المقال مسألة نزول آية "اليوم أكملت لكم دينكم" ومزاعم ارتباطها بواقعة غدير خم، مع مناقشة الروايات المتعددة التي وردت في هذا الباب وبيان الموقف الصحيح عند جمهور المفسرين والمحدثين. كما يستعرض المقال حديث الغدير من حيث الثبوت والدلالة، ويبيّن حقيقة ما يسمى بـ عيد الغدير وأصل هذه البدعة، مع الردّ على بعض الأقوال المنسوبة للخميني التي تمس العقيدة الإسلامية.

🔹 دعوى نزول آية (اليوم أكملت لكم دينكم) في غدير خم:

ادّعى بعض الكتّاب أن قوله تعالى:

﴿اليومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وأَتمَمتُ عَلَيكُم نعمتي ورَضيتُ لَكُم الإِسلامَ دينًا﴾ [المائدة: 3] نزل يوم غدير خم بعد إعلان النبي ﷺ ولاية عليّ.

غير أنّ جمهور المفسّرين والمحدثين صرّحوا بأن الآية نزلت يوم عرفة في حجّة الوداع، وكان يوم جمعة، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري

(حديث رقم 4407).

كما أكّد الطبري في تفسيره (6/84)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/226)، وابن كثير في البداية والنهاية (7/350)، أن الأسانيد التي تذكر نزولها في الغدير ضعيفة لا تصحّ، وأن الصحيح نزولها بعرفة.

وقال ابن الجوزي وابن كثير بأن هذا الحديث لا يصح ولا يجوز الاحتجاج به ومن فوقه إلى أبي هريرة ضعفاء، ونزول الآية كان يوم عرفة بلا شك وذكر ذلك في الصحيحين»

(العلل المتناهية1/226 البداية والنهاية7/350).

وهم يجعلون مناسبة الغدير عيدا يضيفونها إلى عيد الفطر والأضحى.

يقول الخمينى « اليوم هو يوم عيد الغدير وهو من أكبر الأعياد الدينية فإن هذا العيد هو عيد المستضعفين وعيد المحرومين وعيد المظلومين فى العالم، إنه العيد الذى نصب فيه الخالق جل وعلا بواسطة رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام لتحقيق المقاصد الالهية وإدامة الدعوة، وإدامة طريق الأنبياء».

وانظر الآن كيف يتناقض كلامه ويشهد بعجز الله عن تحقيق مقاصده. إذ قال:

« يجب علينا ان نأسف لأن الأيدي الخائنة وبسبب الحروب التي أشعلوها في زمان تصديه للأمور لم تسمح لبروز الشخصية الفذة لهذا الرجل العظيم في ابعادها المختلفة، فهذا العظيم يمتاز بشخصية ذات أبعاد كثيرة ومظهر لاسم الجمع الإلهي الذى يحتوى جميع الاسماء والصفات، فجميع الأسماء والصفات الإلهية في ظهورها وفى بروزها في الدنيا وفى العالم ظهرت في هذه الشخصية بواسطة الرسول الأكرم»

( كتاب الرؤية الكونية في فكر الامام الخميني طبعة مركز بقية الله الاعظم عليه السلام صفحه88).

قلت: هذا كلام صريح في أن الله لم يحقق مقصده الإلهي وهو عين الطعن بالله ونسبة العجز له. فما قيمة هذا العيد بمناسبة وعد لم يتحقق؟

فيلزمكم إذن أن تعملوا لهذا الغدير مأتما وليس عيدا، فإن الله أراد تنصيب علي بزعمكم إماما؛ ولكن أبى الصحابة والمؤمنون إلا أبا بكر وعمر وعثمان. فتحقق للصحابة ما أرادوا ولم يتحقق لله مراده!!! فكيف تفرحون والغدير لم يتحقق؟

رواية عليّ في الرحبة بالكوفة:

روى الإمام أحمد بن حنبل في المسند أن عليًّا رضي الله عنه جمع الناس في رحبة الكوفة فقال:

«أنشدُ اللهَ كلَّ امرئٍ مسلمٍ سمع رسول الله ﷺ يقول يوم غدير خم ما سمع».

فقام ثلاثون رجلاً وفي رواية: ناسٌ كثير فشهدوا حين أخذ النبي ﷺ بيد عليّ فقال:

«أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: نعم يا رسول الله. قال: «فمن كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه».

قال الراوي: «فخرجتُ وكأن في نفسي شيئًا، فلقيتُ زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت عليًّا يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعتُ رسول الله ﷺ يقول ذلك له».

قال شعيب الأرنؤوط:

إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير فطر بن خليفة، وهو من رجال أصحاب السنن وروى له البخاري مقروناً.

كما أخرجه ابن حبان (6931) من طريق أبي نعيم بهذا الإسناد، وزاد قوله: فقلت لفطر: كم بين هذا القول وبين موت علي؟ قال: مائة يوم.

وهذا يؤكد أن عليا ذكر حديث غدير خم في وقت متأخر قبيل موته بثلاثة أشهر. بدليل ورود لفظ (الرحبة) وهي ساحة الكوفة التي كان يتخذها علي دائما للوعظ.

يؤكد ذلك قول ابن كثير « جمع علي الناس في الرحبة - يعني رحبة مسجد الكوفة

(البداية والنهاية5/231).

بل وفي صحيح البخاري من عدة طرق « عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال قال: «أتي علي رضي الله عنه على باب رحبة الكوفة بماء فشرب قائما فقال إن ناسا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني رأيت النبي صلى الله عليه و سلم فعل كما رأيتموني فعلت»

(البخاري رقم5616).

وكانت الرحبة تسمى رحبة علي كما عند ابن سعد في (الطبقات6/12).

وشهد الشيعة بأن « ثلاثة عشر رجلا شهدوا في رحبة الكوفة ببيعة الغدير (بشارة المصطفى1/16).

وفي بحار الأنوار جاء وصف الرحبة برحبة الكوفة7/84).

وجاء في الفوائد الرجالية بيان ثلاثين من الصحابة شهدوا بحديث غدير خم في الرحبة. قال أي رحبة الكوفة (الفوائد الرجالية2/317).

ويُستفاد من هذه الرواية أن عليًّا ذكر حديث الغدير في أواخر حياته بالكوفة، لا في المدينة، وهو ما أكده ابن كثير في البداية والنهاية (5/231)، إذ قال: «جمع علي الناس في الرحبة يعني رحبة مسجد الكوفة».

وقد شهد الشيعة أيضًا بأن ثلاثة عشر رجلاً من الصحابة شهدوا له بحديث الغدير في الرحبة، كما ورد في بشارة المصطفى (1/16) وبحار الأنوار (7/84).

والسؤال:

فما الحكمة من استدلال علي رضي الله عنه بهذا الحديث؟

الجواب:

ولندع الجواب للشيعة: لقد اعترف الشيعة بأن الفائدة من هذا الحديث معرفة من يوالي الناس عند الفرقة بين الطائفتين المقتتلتين. فقد سأل الحسن بن طريف الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر) عن معنى قول النبي e (من كنت مولاه فعلي مولاه) فأجاب: «أراد بذلك أن جعله علما يعرف به حزب الله عند الفرقة»

(كشف الغمة3/303 بحار الأنوار37/223 و50/290 إثبات الهداة2/139).

ملاحظة قال في حاشية البحار «لم نجده في المصدر المطبوع». قلت: ويظهر أنه تم حذفه لدلالته على تحريف الرافضة لمعناه الصحيح.

في بدعة عيد الغدير

جعل بعض الطوائف يوم الغدير عيدًا ثالثًا بعد الفطر والأضحى، وهذا لا أصل له في الشريعة.

فقد قال النبي ﷺ:

«إن الله أبدلكم يومين خيرًا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى» (رواه أبو داود).

ولم يثبت عن أحد من الصحابة أو التابعين أنهم اتخذوا يوم الغدير عيدًا أو احتفلوا به.

وقد ذكر بعض الكتّاب، ومنهم الخميني، أن عيد الغدير هو يوم نصب الله فيه عليًّا لتحقيق المقاصد الإلهية، لكنه عاد فاشتكى أن الظروف والحروب لم تسمح ببروز شخصية عليّ، وهذا في حقيقته يناقض الإيمان بقدرة الله، إذ لا يعجز الله عن تحقيق مراده.

ولو كان الله تعالى أراد أن يكون عليٌّ إمامًا منصوصًا، لما عجز أحد عن تنفيذ ذلك، لأن مشيئة الله نافذة لا تُردّ.

الخلاصة

1- حديث الغدير صحيح في أصله من حيث الثبوت، لكن دلالته لا تتعدّى إثبات المحبة والموالاة لعليّ رضي الله عنه.

2- رواية نزول آية (اليوم أكملت لكم دينكم) في الغدير ضعيفة، والصحيح أنها نزلت يوم عرفة.

3- استدلال عليّ في الرحبة كان للتذكير بفضله لا لإثبات الإمامة.

4- عيد الغدير لا أصل له في الإسلام، ولم يثبت عن الصحابة أو التابعين.

5- كلام الخميني حول فشل المقصد الإلهي يتضمن نسبة العجز إلى الله تعالى، وهو قول باطل شرعًا وعقلاً.

إنّ الولاية في الإسلام هي ولاية الإيمان والمحبة والنصرة، لا ولاية الحكم القسري أو العصبية المذهبية. ومن الواجب فهم النصوص في ضوء القرآن والسنة الصحيحة بعيدًا عن التأويلات المحدثة أو التأويل السياسي الذي لم يعرفه صدر الإسلام.

المصادر

1-            صحيح البخاري، حديث (2699، 4407).

2-            مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج4 ص281.

3-            تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (8/289).

4-            تفسير الطبري (6/84).

5-            العلل المتناهية، لابن الجوزي (1/226).

6-            البداية والنهاية، لابن كثير (5/231، 7/350).

7-            إثبات الهداة، للحرّ العاملي (2/139).

8-            كشف الغمة، للأربلي (3/303).

9-            بحار الأنوار، للمجلسي (37/223، 50/290).

10-     بشارة المصطفى، لعماد الدين الطبري (1/16).