الملحد، عدوّ الدين، أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق الرَّيوندي، صاحب التصانيف في الحطّ على الملّة، وكان يُلازم الرافضة والملاحدة، فإذا عوتب قال: إنّما أريد أن أعرف أقوالهم. ثم إنّه كاشف، وناظر، وأبرز الشبه والشكوك.

قال ابن عقيل: عجبي كيف لم يُقتل! وقد صنّف كتاب (الدَّامغ) يدمغ به القرآن، وكتاب (الزُّمردة) يزري فيه على النبوّات.

وقال ابن الجوزي:

فيه هَذَيان بارد لا يتعلّق بشبهة!، إذ يقول: إنّ كلام أكثم بن صيفي فيه ما هو أحسن من سورة الكوثر! وإنّ الأنبياء وقعوا بطلاسم! وألّف لليهود والنصارى كتباً يحتجّ لهم فيها في إبطال نبوّة سيّد البشر ﷺ.

وقال أبو علي الجبّائي:

طلب السلطان أبا عيسى الورّاق وابن الرَّيوندي، فأمّا الورّاق فسُجن حتّى مات، واسمه محمّد بن هارون، من رؤوس المتكلّمين، وله تصانيف في الردّ على النصارى وغيرهم. وأمّا ابن الرَّيوندي فاختفى عند ابن لاوي اليهودي، فوضع له كتاب (الدَّامغ)، ثمّ لم يلبث أن مرض ومات إلى اللعنة وعاش نيفاً وثمانين سنة.

وقد سرد ابن الجوزي من بلاياه نحو ثلاثة أوراق.

وقال ابن النجار: أبو الحسين ابن الرَّاوندي المتكلّم، من أهل مَرْو الرّوذ، سكن بغداد، وكان معتزليّاً ثم تزندق.

وقيل: كان أبوه يهودياً فأسلم هو، فكان بعض اليهود يقول للمسلمين: لا يفسد هذا عليكم كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة. (14/61)

وقال أبو العبّاس ابن القاص الفقيه:

كان ابن الرَّاوندي لا يستقرّ على مذهب ولا نحلة، حتّى صنّف لليهود كتاب (النُّصرة على المسلمين) لدراهم أُعطيها من يهود، فلمّا أخذ المال رام نقضها، فأعطوه مائتي درهم حتّى سكت.

وقال البلخي: لم يكن في نظراء ابن الرَّاوندي مثله في المعقول، وكان أوّل أمره حسن السيرة، كثير الحياء، ثم انسلخ من ذلك لأسباب، وكان علمه فوق عقله.

وقد حُكي عن جماعة أنّه تاب عند موته.

وقال في بعض المعجزات: يقول المنجّم كهذا.
وقال: في القرآن لحن. وألّف في قدم العالم، ونفى الصانع.

وقال: يقولون: لا يأتي أحد بمثل القرآن، فهذا إقليدس لا يأتي أحد بمثله، وكذلك بطليموس.

وقيل: إنّه اختلف إلى المبرد، فبعد أيّام قال المبرد: لو اختلف إليَّ سنة، لاحتجت أن أقوم وأجلسه مكاني.

وقال ابن النجار: مات سنة ثمان وتسعين ومائتين.
وقيل: ما طال عمره، بل عاش ستّاً وثلاثين سنة.

ولقد صدق من قال:
لعن الله الذكاء بلا إيمان، ورضي الله عن البلادة مع التقى.

المصدر: سير أعلام النبلاء، ج 27، ص 62.