أصل الشبهة:

يدّعي بعض المخالفين، خصوصًا من الشيعة الإمامية، أن خلافة أبي بكر رضي الله عنه ومن بعده، لم تثبت بنص شرعي، بل جاءت عن طريق المشاورة، وكأن في ذلك طعنًا في مشروعيتها. والرد على هذه الشبهة يستدعي بيان أصل الشورى في الإسلام ومكانتها في الشريعة.

الشورى مبدأ شرعي ثابت في القرآن الكريم

لقد أقرّ الإسلام مبدأ الشورى كأصل راسخ في إدارة شؤون الأمة،

وقد ورد ذكره صراحة في قوله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38].

وعلّق الإمام ابن عاشور على هذه الآية قائلًا:

"الأمر هنا اسم جنس عام، يدل على أن جميع شؤونهم تُدار بالتشاور بينهم". التحرير والتنوير (ج25، ص171)

وكذلك قال ابن كثير في تفسير الآية:

"أي: لا يبرمون أمرًا حتى يتشاوروا فيه، ليساعد بعضهم بعضًا بالرأي فيما يحتاج إلى اجتهاد". تفسير ابن كثير (ج7، ص211)

 

مشاورة النبي ﷺ مع كونه مؤيدًا بالوحي

دلّت النصوص على أن النبي صلى الله عليه وسلم، مع كونه مؤيدًا بالوحي، كان يشاور الصحابة في شؤون الحرب والسياسة، كما قال تعالى:

﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159]

وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن عديدة، كغزوة بدر وأحد والخندق، ليس لأنه يحتاج الرأي، بل ليُعلِّم الأمة مبدأ الشورى عمليًا، ويُرسي قاعدة أن أمر الأمة لا يُدار بانفراد، بل باجتماع الكلمة.

 

تطبيق الشورى في اختيار الخلفاء الراشدين

1. خلافة أبي بكر رضي الله عنه:

عُقدت في سقيفة بني ساعدة، بعد تشاور ومداولة بين المهاجرين والأنصار، ورُجِّح أبو بكر رضي الله عنه بإجماع أهل الحل والعقد، وهو أول تطبيق عملي للشورى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

2. خلافة عمر رضي الله عنه:

جاءت بتوصية من أبي بكر بعد استشارة الصحابة، فوافقوه وأقرّوا عليه، وأُعلن ذلك علنًا أمام جمع من المسلمين.

3. خلافة عثمان رضي الله عنه:

عند طعن عمر رضي الله عنه، جعل الأمر شورى في ستة من الصحابة: (عثمان، علي، طلحة، الزبير، سعد، وعبد الرحمن بن عوف). وتولى عبد الرحمن مشاورة عامة المسلمين من المهاجرين والأنصار، فاستقرّ الأمر على عثمان.

4. خلافة علي رضي الله عنه:

تمت بالشورى كذلك، بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، فبايعه من كان حاضرًا من الصحابة في المدينة، مما يدل على استمرار نهج الشورى في اختيار الإمام.

 

الرد على الشبهة الشيعية

الشيعة يرفضون مبدأ الشورى، ويزعمون أن الإمامة نص إلهي، ويكفرون من لم يؤمن بها. لكن الواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوصِ بخليفة نصًّا صريحًا، بل ترك الأمر للمسلمين، فكان الصحابة أول من طبّق مبدأ الشورى، مما يدل على شرعيته، وكونه منهجًا نبويًا، وليس ابتداعًا سياسيًا.

 

خلاصة المقال:

•  الشورى مبدأ أصيل في الشريعة الإسلامية، أقرّه القرآن والسنة.

•  النبي صلى الله عليه وسلم مارس الشورى عمليًا، مع كونه مؤيدًا بالوحي.

•  الخلفاء الراشدون الأربعة تم اختيارهم بالشورى، بما فيهم علي بن أبي طالب.

•  أهل السنة يرون أن الشورى واجبة في إدارة شؤون الأمة، ولا يوجد في الإسلام نص صريح على استخلاف معين بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

•  مبدأ الشورى يناقض النظرية الإمامية التي تؤمن بالنص والتعيين، وتكفر الأمة بتركه.

 

المصادر:

1-   القرآن الكريم

2-  • تفسير ابن كثير ج7، ص211

3-  • التحرير والتنوير ابن عاشور ج25، ص171

4-  • صحيح البخاري ومسلم أبواب الإمارة

5-   • كتب السير والتاريخ: ابن هشام، الطبري، البداية والنهاية