هل امتنع علي بن أبي طالب عن مبايعة أبي بكر؟
يشيع كثير من أتباع المذهب الشيعي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يبايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه قط، بل يذهب بعضهم إلى الادعاء بأن قبضة يده كانت مغلقة دلالة على الرفض، بل ويتهمونه بأنه لم يسلّم بالخلافة. فهل هذا صحيح؟ هذا ما نوضحه بإذن الله.
- الأكثر قراءه في السقيفة:
زعم الشيعة زواج عمر من عاتكة دون رضاها
افتراء الشيعة: موافقات عمر تشبه النبوة!
شبهة رفض النبي تزويج فاطمة لأبي بكر وعمر
أولًا: ثبوت بيعة علي بن أبي طالب في الصحيحين
الروايات الصحيحة تثبت أن عليًا رضي الله عنه بايع أبا بكر رضي الله عنه، وإن تأخرت بيعته عدة أشهر بعد وفاة النبي ﷺ، حيث روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنه لما دعا أبو بكر عليًا، جاءه فقال له:
"إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَصِيبًا..."
ثم توالت الأحداث حتى صرّح علي رضي الله عنه بقوله:
"مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ"، فبايع عليٌ أبا بكر بحضرة الناس، وسُرّ المسلمون بذلك.
وقد روى مسلم نصًا:
"ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه"، مما يدل على وقوع البيعة بوضوح دون لبس أو تردد.
ثانيًا: أقوال العلماء في تأخر علي عن البيعة
قال الإمام النووي رحمه الله:
"تأخر علي عن البيعة لا يقدح في صحتها، لأنه لا يُشترط حضور كل الناس، بل يكفي أهل الحل والعقد. وعلي لم يخالف أبا بكر، ولا شق عصا الطاعة، بل تأخر لعذر، فلما زال، حضر وبايع."
كما قال الحافظ ابن حجر:
"كان الصحابة يعذرون عليًا لانشغاله بمرض فاطمة وحزنها، وتأخره كان مواساةً لها، لا رفضًا للبيعة."
ثالثًا: رواية بيعة مبكرة لعلي – مدى صحتها
هناك رواية عن مبايعة علي في بداية الأمر لكنها ليست بثبوت الروايات السابقة. فقد نقلها بعض الرواة مثل المغيرة بن سلمة عن وهيب بن خالد، وذكر أن أبا بكر لم ير عليًا يوم السقيفة، فدعاه فبايعه، وكذلك الزبير.
لكن هذه الرواية فيها خلاف بين الرواة، فأكثرهم لم يذكر فيها البيعة أصلاً، وقد علّق الإمام الذهبي على الرواية بأنها رغم جودتها، إلا أن فيها ما يُنكر.
كما أن الرواة الثقات الذين نقلوا عن عفّان بن مسلم -وهو أحد طرق هذه الرواية- لم يذكروا البيعة، مما يرجح أن الرواية المطولة غير محفوظة.
رابعًا: رأي أهل التحقيق في المسألة
الحقيقة الثابتة أن بيعة علي الصحيحة الموثقة جاءت بعد وفاة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، أي بعد نحو ستة أشهر، لكنها وقعت فعلاً، ولا خلاف بين أهل السنة في ذلك.
أما ما يدّعيه بعض الشيعة بأن البيعة كانت "إكراهًا"، فهو قول باطل. فقد ثبت عن شيخ الإسلام ابن تيمية:
"علم بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعة أبي بكر إلا سعد بن عبادة، وأما علي وبنو هاشم فكلهم بايعوه، ولم يمت أحد منهم إلا وهو مبايع له، وبايعوه من غير إكراه."
خامسًا: تفنيد مزاعم الشيعة حول الإكراه والرفض
الادعاء بأن عليًا رضي الله عنه لم يبايع أو أنه أُجبر على البيعة هو طعن صريح في تواتر الروايات الثابتة.
وهذه دعوى تعارض النصوص الصحيحة في البخاري ومسلم، وهي مكابرة للحقائق الثابتة بالسند والعقل.
وقد قال الله تعالى:
{وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199]
فمن ينكر البيعة رغم الأدلة الموثقة، لا يمكن محاورته علميًا، لأنه ألغى كل المنطلقات العقلية والنقلية.
الخلاصة:
♦ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بايع أبا بكر الصديق بيعة صحيحة وثابتة.
♦ تأخره في البيعة كان لعذر شرعي، وليس اعتراضًا.
♦ لا صحة لدعوى الإكراه أو الرفض، وكل ذلك باطل مردود.
♦ روايات الصحيحين هي المعيار، ولا يُقبل ما يعارضها من روايات مرسلة أو منكرة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.