مقدمة:

من أكثر الأوهام التي حاول علماء الشيعة ترسيخها في أذهان أتباعهم، قصة أسر شهربانو المزعومة، ابنة كسرى، وزواجها من الحسين بن علي، ثم إنجابها لعلي بن الحسين السجاد. إلا أن تناقض الزمان والمكان والمنطق في هذه الرواية اضطرهم إلى ترقيع الخرافة عبر نقل واقعة الأسر إلى زمن خلافة عثمان بن عفان بدلًا من زمن عمر بن الخطاب، رغم أن هذا النقل لم يحل الإشكال بل زاده غموضًا وتخبطًا.

 

أولًا: رواية الصدوق وتخبطات المصادر الشيعية

جاء في كتاب عيون أخبار الرضا للصدوق (ج2، ص128) عن نسب الإمام الرضا لأبناء كسرى، أن عبد الله بن عامر بن كريز لما فتح خراسان أرسل بابنتي يزدجرد إلى عثمان بن عفان، فأعطى إحداهما للحسن والأخرى للحسين، فماتتا نفساوين، وأنجبت صاحبة الحسين الإمام السجاد.

وهذه الرواية وردت أيضًا في عدد من المصادر الشيعية مثل:

البحار (ج46 ص8)

الوافي للفيض الكاشاني (ج21 ص94)

تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (ج2 ص241)

منتهى الآمال للميلاني (ج2 ص7)

رياض الأبرار (ج2 ص14)

وغيرها من الكتب التي كرّرت القصة بصيغ متقاربة.

 

ثانيًا: تعليقات شيعية مختلفة على الرواية

 1- تأييد المجلسي للرواية: 

العلامة المجلسي في مرآة العقول (ج6 ص6) رجّح رواية قدوم شهربانو زمن عثمان، وعلّق بأنها "أقرب إلى الصواب" لأن أسر أبناء يزدجرد كان بعد قتله في زمن عثمان، مشيرًا إلى أن الولادة المتأخرة للإمام السجاد (سنة 38هـ) يصعب نسبتها لأسرٍ تم في عهد عمر.

 2- اعتراض الميلاني: 

في المقابل، رفض هاشم الميلاني في منتهى الآمال (ج2 ص7) رواية الصدوق، مؤكدًا أن الأسر حدث في خلافة عمر، وأن رواية عثمان أضعف، وربما نتيجة خلط أو تصحيف.

 3- تناقض حسين الموسوي الصافي: 

في كتاب أمهات الأئمة المعصومين (ج1 ص328)، حاول حسين الموسوي الجمع بين الروايات، مدعيًا أن الأسر قد يكون في زمن عثمان أو علي، ثم يبرر تأخر الولادة أكثر من 20 عامًا بأمثلة من قصص الأنبياء، كسارة زوجة إبراهيم! وهو خلط عجيب بين الواقعية والتبرير العقائدي.

 

ثالثًا: نقد الرواية سندًا ومتنًا

أ- ضعف السند عند الشيعة:

العديد من الرواة المذكورين في سلسلة الرواية مجهولون أو غير موثقين حسب كتب رجال الحديث عند الشيعة، مثل:

الحسين بن محمد البيهقي: غير مذكور عند علماء الجرح والتعديل.

محمد بن يحيى الصولي: كذلك لم يُوثق.

عون بن محمد الكندي: مجهول كما في معجم رجال الحديث للخوئي.

سهل بن القاسم النوشجاني: غير مذكور أيضًا.

راجع:

مستدركات علم رجال الحديث للنمازي الشاهرودي (ج3 ص85، ج7 ص369، ج4 ص183).

معجم رجال الحديث للخوئي (ج13 ص219، ج19 ص9).

ب- غرابة المتن:

1- الخليفة عثمان يهب بنات كسرى للحسن والحسين فقط؟

لم نرَ في الرواية أنه احتفظ بهن لنفسه أو أعطاهن لبني أمية!

2- لا أسماء للبنات؟

رغم أنهن بنات ملوك، لم تذكر الرواية أسماءهن، ولم يُوضح إن كنّ زوجات أو إماءً.

3- الفخر للحسين فقط؟

إن صحت الرواية، فلماذا لم يُفخر للحسن وأبنائه بنفس النسب المجيد؟!

4- المفارقة في "الموت النفاسي" المزدوج!

الرواية تزعم أن كِلتا الفتاتين ماتتا في النفاس، لكنها لم تذكر إن كانت زوجة الحسن قد أنجبت، أم لا.

 

رابعًا: إضافة خرافية جديدة: "كيهان بانو"!

في أمهات الأئمة (ج1 ص328)، يذكر المؤلف أن مع شهربانو جاءت أختها "كيهان بانو"، وتزوجها محمد بن أبي بكر، وأنجبت له القاسم بن محمد. وهذا يناقض ما اتفقت عليه كتب التاريخ أن والدة القاسم كانت جارية اسمها "سودة".

كما أن:

القاسم لم يدّعِ يومًا نسبًا لكسری.

لم يُعرف عنه أنه تفاخر بأنّه "غلامٌ بين تيمٍ وكسری" كما فعلوا مع السجاد.

ولا ذكرت كتب الفرس أي أميرة باسم "كيهان بانو".

راجع:

سير أعلام النبلاء (5/ 53)

تاريخ دمشق (21/ 45)

حلية الأولياء (2/ 183)

 

الخاتمة:

تؤكد الروايات المتضاربة حول شهربانو المزعومة أن القصة برمتها أسطورة مختلقة أراد بها بعض الشيعة نسبة الأئمة إلى النسب الملكي الفارسي. ونقل زمن الأسر إلى خلافة عثمان لا يُعالج الإشكال، بل يكشف ضعف السند وتناقض المنطق واختلاق روايات مكذوبة، فقط لأجل ترسيخ عقائد مذهبية باطلة، تتعارض مع حقائق التاريخ والعقل والنقل معًا.