مقدمة:

يكثر الجدل بين الشيعة وأهل السنة حول قضية الإمامة والخلافة، حيث يزعم الشيعة أن الخلافة تكون بالنص الإلهي والتعيين من قبل النبي ، بينما يرى أهل السنة أن الخلافة تكون بالشورى واختيار الأمة. كما يطعن الشيعة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ويدّعون أن حديث "الأئمة الاثنا عشر" في صحيح البخاري دليل على إمامتهم، متهمين أهل السنة بالعجز عن تحديد هؤلاء الأئمة. فهل هذه الادعاءات صحيحة؟ وما الجواب السني عليها؟ هذا ما سنبينه في هذا المقال بتفصيل علمي موثق.

 

أولاً: هل الخلافة بالشورى أم بالنص؟

يؤمن أهل السنة أن الخلافة تقوم على الشورى، مستندين في ذلك إلى اختيار الصحابة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي في سقيفة بني ساعدة، ولم يكن هناك نص صريح من النبي بتعيين خليفة باسمه.

لكن بعض علماء السنة كابن تيمية وغيرهم، يرون أن في إشارات النبي وتقديمه لأبي بكر في الصلاة دليلًا على استحقاقه، وليس نصًا ملزمًا كالنصوص الإمامية، لذا فإن الخلافة عند أهل السنة تمّت بالشورى وتأييد الأمة، وهي خلافة شرعية باتفاقهم.

أما الشيعة، فيدّعون أن النبي نصّ على خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأنها وصية إلهية، ويطعنون في خلافة الصديق، ويعتبرونها "اغتصابًا" للخلافة. إلا أن هذا الادعاء لا يستند إلى دليل صحيح من القرآن أو السنة الصحيحة، بل إلى روايات ضعيفة أو موضوعة، وتفصيل الرد عليها موجود في كتاب "منهاج السنة النبوية" لشيخ الإسلام ابن تيمية، حيث نقض فيه أدلة الشيعة تفصيلًا.

 

ثانيًا: حديث الأئمة الاثني عشر في صحيح البخاري: هل يؤيد عقيدة الشيعة؟

كثيرًا ما يروّج الشيعة أن حديث الأئمة الاثني عشر الوارد في صحيح البخاري ومسلم هو دليل على إمامتهم الاثني عشر، متهمين أهل السنة بالعجز عن تفسيره.

الحديث كما ورد:

عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:

سمعت النبي يقول :يكون اثنا عشر أميرًا"، ثم قال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: "كلهم من قريش".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.

وجاء في روايات أخرى:

لا يزال هذا الدين عزيزًا منيعًا إلى اثني عشر خليفة".

كلهم تجتمع عليه الأمة".

 

ثالثًا: الرد على استدلال الشيعة بالحديث

ادعاء الشيعة بأن الحديث يشير إلى أئمتهم الاثني عشر باطل من عدة وجوه:

1-      أغلب أئمة الشيعة لم تجتمع عليهم الأمة، بل عاشوا في تقية أو سرية، وبعضهم لم يكن له أي نفوذ سياسي أو اجتماعي، كالإمام محمد الجواد أو الحسن العسكري، مما يُخالف شرط "اجتماع الأمة" الذي ذكره الحديث.

2-     بناءً على فهم الشيعة، فإن الخلافة لم تكن عزيزة ولا قائمة في عهد أبي بكر وعمر وعثمان، وهو تكذيب صريح للواقع والتاريخ والحديث الصحيح، لأن الإسلام في عهدهم انتشر وفتح الأرض شرقًا وغربًا.

3-    الحديث لم يذكر أسماء الاثني عشر، ولا ورد فيه أي إشارة لعقيدة "الإمامة الإلهية" التي يتبناها الشيعة.

 

رابعًا: من هم الأئمة الاثنا عشر عند أهل السنة؟

اختلف العلماء في تفسير هذا الحديث، ومن أبرز التفسيرات قول القاضي عياض في "إكمال المعلم" و"شرح مسلم":

"المراد بهم: اثنا عشر خليفة في فترة قوة الإسلام وعزّته، واجتماع الأمة، وذلك تحقق من الخلفاء الراشدين حتى بعض خلفاء بني أمية، قبل اضطراب الأمور وانقسام الأمة".

وأكد الحافظ ابن حجر العسقلاني هذا التفسير في فتح الباري، وقال:

"يمكن حمل الحديث على من تولّى الخلافة واجتمعت عليه الأمة بعد النبي ، وكان الإسلام في عزة ومكانة، وهؤلاء هم:
أبو بكر، عمر، عثمان، علي، معاوية، يزيد، عبد الملك، الوليد، سليمان، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، هشام بن عبد الملك".

وأضاف أن هذا العدد تَحقّق قبل انفراط عقد الدولة الإسلامية وظهور الهرج والفتن، كما أشار الحديث: "ثم يكون الهرج".

 

خامسًا: خلاصة الجواب:

حديث "اثني عشر أميرًا" لا يدعم عقيدة الشيعة، بل هو بشارة باستمرار عزة الإسلام في زمن اثني عشر خليفة يجتمع عليهم المسلمون.

لا يوجد في الحديث ذكر للإمامة بالنص أو لعصمة أو لوصية إلهية.

أهل السنة فسّروا الحديث تفسيرًا متماسكًا متسقًا مع الواقع والتاريخ، بينما تفسير الشيعة له مفكك متناقض مع أحوال أئمتهم أنفسهم.

أهل السنة لا يعجزون عن تحديد هؤلاء الخلفاء، بل تناول ذلك كبار المحدثين والمؤرخين بعمق وتوثيق، بخلاف دعاوى الشيعة المبنية على التأويلات لا النصوص