الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن من المسائل العقدية التي كثر فيها الجدل: هل تدخل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ضمن "أهل البيت" المذكورين في القرآن الكريم؟ والحق الذي لا شك فيه أن أمهات المؤمنين داخلات في مسمى "أهل البيت" نصًا وشرعًا وعرفًا، كما دلت عليه الآيات، والأحاديث، وإجماع العلماء، واستعمالات العرب..
أولاً: الدليل من القرآن الكريم
1- قوله تعالى:
{يا نساء النبي لستن كأحدٍ من النساء ... إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} [الأحزاب: 32-33].
هذه الآية تقع في سياق مخاطبة نساء النبي، وبالاتفاق فإن الخطاب في أولها وآخرها موجَّه لهنَّ. فحين يقول الله: {يا نساء النبي}، ثم يصف أوامره لهن، ثم يختم بقوله: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس}، فإن القاعدة في التفسير تقر أن السياق هو الحاكم.
وقد أكد هذا المعنى كثير من المفسرين:
◘ قال ابن كثير: "إنها نص في دخول أزواج النبي في أهل البيت؛ لأنهن سبب النزول، وسبب النزول داخل فيه قولًا واحدًا".
◘ وقال الزمخشري: "هذا دليل بيِّن على أن نساء النبي من أهل بيته".
أما التحول في الضمير من المؤنث إلى المذكر (عنكم بدلاً من عنكن)، فذلك لأن الضمير يشمل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو رأس أهل البيت، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث يُغلَّب المذكر، كما هو مقرر في لغة العرب.
2- أمثلة أخرى من القرآن الكريم تؤكد دخول الزوجة في "الأهل":
◘ قوله تعالى عن امرأة العزيز: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا..} [يوسف: 25].
◘ وقوله عن موسى: {سار بأهله} [القصص: 29].
◘ وقوله: {وأمر أهلك بالصلاة} [طه: 132].
◘ واستثناء امرأة لوط من الأهل: {إلا امرأتك إنها مصيبها ما أصابهم} [هود: 81]، وهو صريح في دخولها ضمن الأهل.
جميع هذه الآيات تُقر أن لفظ "الأهل" في لغة العرب يشمل الزوجة أولًا.
ثانيًا: الدليل من السنة النبوية
1- حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه:
"أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: بلى، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة..." [رواه مسلم].
فإقراره بأن أزواج النبي داخلات في أهل البيت أمر لا لبس فيه.
2- حديث الإفك:
قال النبي صلى الله عليه وسلم في عائشة: "من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي..." [متفق عليه].
سماها بلفظ "أهل بيتي"، وهو نص قاطع.
3- قوله لعائشة ونسائه:
"السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله" [متفق عليه].
وهذا تصرف منه صلى الله عليه وسلم يُدخل فيه زوجاته ضمن أهل بيته.
ثالثًا: الإجماع على دخولهن
قال الإمام النووي في شرح مسلم: "وأزواج النبي من آله بلا خلاف بين المسلمين". وقد نقل غير واحد من أهل العلم هذا الإجماع، ما يدل على أن مخالفته تُعد شذوذًا مخالفًا لما عليه أهل الإسلام.
رابعًا: العرف واللغة العربية
في لغة العرب، الأهل تُطلق على الزوجة بلا نزاع:
◘ قال ابن منظور: "البيت: المرأة، ويكنى عنها به... والأهل: الزوجة".
◘ ويقولون: "دخل على أهله" أي زوجته.
وفي عرف الناس اليوم، لا يختلف استعمال كلمة "أهلي" في الإشارة إلى الزوجة.
الخلاصة:
يثبت من خلال ما سبق من النصوص القرآنية، والأحاديث الصحيحة، وإجماع العلماء، والعرف العربي، أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يدخلن دخولًا صريحًا ومؤكدًا في مسمى "أهل البيت"، وأن محاولة إخراجهن من هذا المفهوم تحريف لنصوص الوحيين، وتهوين من مقامهن الذي عظمه الله ورسوله.
قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب: 6]، فهن أمهاتنا، ومن أهل بيته، ومن أطهر نساء الأمة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.