تمهيد:

إن الطعن في الصحابة، لا سيما الصديق رضي الله عنه، هو طعن في الدين نفسه؛ لأنه كان أعظم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأخصهم به. وقد سار الطاعنون على نهج التشكيك في مواقفه وتصرفاته، بغرض إضعاف الثقة بخلافته وعدالته. في هذا المقال نرد على 13 شبهة رئيسية (من الشبهة الحادية عشرة إلى الشبهة الثالثة والعشرين) أُثيرت حول أبي بكر الصديق، مستندين إلى النصوص الصحيحة والمنهج العلمي السليم.

 

الشبهة الحادية عشرة: إحراق أبو بكر للفجاءة السلمي بالنار

الرد:

 روى البخاري أن عليًا رضي الله عنه هو من أحرق الزنادقة بالنار، فأنكر عليه ابن عباس بسبب نهي النبي عن التعذيب بالنار (البخاري: 6922).

 فلو كان فعل أبي بكر خطأً، ففعل علي أعظم منه. وإن لم يُنكر على علي، فأبو بكر أولى بعدم الإنكار

 (ابن تيمية، منهاج السنة 4/495-496).

 

الشبهة الثانية عشرة: جهل أبي بكر بحكم الكلالة

الرد:

 إجماع العلماء أن أبا بكر أعلم الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم

 (السمعاني، ابن تيمية).

 حكم الكلالة الذي أفتى به وافقه عليه جمهور العلماء، ويدل على اجتهاده لا على نقص علمه

 (منهاج السنة 4/496-502).

 

الشبهة الثالثة عشرة: قضى في الجد بسبعين قضية

الرد:

 هذا القول باطل، ولم يثبت عن أبي بكر بل نُسب إلى عمر، وهو كذلك غير صحيح منطقيًا.

 أما موقف أبي بكر، فكان أن الجد أبٌ، وهو قول طائفة كبيرة من الصحابة والفقهاء (منهاج السنة 4/503).

 

الشبهة الرابعة عشرة: ترك الحد على خالد بن الوليد

الرد:

 موقف أبي بكر كان اجتهاديًا، وعذر خالد كان قائمًا على وجود شبهة.

 إن كان لعلي عذر في عدم قتل قتلة عثمان، فأبو بكر أولى بالعذر في هذه المسألة

(منهاج السنة 5/514-519).

 

الشبهة الخامسة عشرة: قول أبي بكر "أقيلوني"

الرد:

 لا يُعرف عن أبي بكر طلب الإقالة يقينًا، وإن صح عنه، فهذا يدل على الزهد والورع لا الجهل أو الطمع

(منهاج السنة 8/288).

 

الشبهة السادسة عشرة: قوله "إن لي شيطانًا يعتريني"

الرد:

 المعنى: أنه يخاف من الغضب، ويطلب من الأمة تقويمه إذا أخطأ.

 هذا دليل على عدله وتواضعه، لا على النقص، والأنبياء أنفسهم غضبوا

(منهاج السنة 8/273-276).

 

الشبهة السابعة عشرة: حزنه في الغار

الرد:

 الآية في مدح أبي بكر، لا ذمّه، وتدل على محبته للنبي وخوفه عليه، لا على قلة الإيمان.

 الحزن لا ينافي الإيمان، بل النبي صلى الله عليه وسلم حزن على ابنه إبراهيم

(منهاج السنة 8/456-462).

 

الشبهة الثامنة عشرة: عزله عن الإمامة في الصلاة

الرد:

 كذب بيّن، والصحيح الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر في الصلاة مرارًا، كما في البخاري ومسلم

 (البخاري 712، مسلم 418).

 

الشبهة التاسعة عشرة: لم ينزل فيه قرآن كالذي نزل في علي

الرد:

 سورة (هل أتى) مكية نزلت قبل زواج علي بفاطمة، فلا يمكن أن تكون نزلت فيه.

 بل آيات كثيرة نزلت في مدح الإنفاق وأبو بكر أول من يدخل في معناها (الليل: 17-18، الحديد: 10)

 (منهاج السنة 8/553-555).

 

الشبهة العشرون: عمله بالخياطة وتعليم الصبيان

الرد:

 لم يكن خياطًا، بل تاجرًا معروفًا، والتجارة كانت أفضل مكاسب قريش (منهاج السنة 8/540-546).

 ولو فرض أنه كان يعلّم الصبيان، فهذا لا يقدح في علمه؛ فقد فعل مثله كبار العلماء.

 

الشبهة الحادية والعشرون: قول الحسن والحسين: "انزل عن منبر جدنا"

الرد:

 لم يثبت بسند صحيح، ولو افترضنا صحته، فهما كانا صبيين صغيرين لا يُعتد بكلامهما في هذا المقام

(الدهلوي، مختصر التحفة الاثني عشرية، صـ238).

 

الشبهة الثانية والعشرون: أخذ النبي أبا بكر معه خوفًا منه

الرد:

 كذب وافتراء، فالنبي اختار أبا بكر مرافقًا له لما عرف فيه من الإيمان والثقة.

 المرويات تدل على تضحية أبي بكر لحماية النبي بنفسه

(البيهقي، دلائل النبوة 2/476).

 

الشبهة الثالثة والعشرون: استخلافه لعمر خلافًا لفعل النبي

الرد:

 النبي أشار إلى استخلاف أبي بكر (البخاري 3659، مسلم 2386)، ولم ينصّ على أحد بعده، فترك للأمة اختيار الأصلح.

 أبو بكر استخلف عمر اجتهادًا منه، حفاظًا على وحدة الأمة، وقد أصاب في ذلك.

 

خاتمة:

لقد تبين من خلال الردود أعلاه أن الشبهات المثارة حول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، إما مكذوبة لا أصل لها، أو مبنية على سوء فهم للنصوص، أو اجتهادات مردودة بالنصوص الصحيحة. والصديق رضي الله عنه كان خير الأمة بعد نبيها، وأول من آمن، وأول خليفة راشد، وقد أجمع الصحابة على بيعته، وكان من أعظم الناس عدلًا وزهدًا وحرصًا على الدين. وكل طعن فيه هو طعن في الإسلام نفسه، لأنه حامل لواءه بعد نبي الله صلى الله عليه وسلم.

 

المصادر:

 البخاري

 مسلم

 صحيح الترمذي

 دلائل النبوة، البيهقي

 منهاج السنة النبوية، ابن تيمية

 تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة الدينوري

 مختصر التحفة الاثني عشرية، الدهلوي