جبريل عليه السلام مُعلّم النبي ﷺ
كان جبريل عليه السلام هو الوسيط الوحيد بين الله تعالى ونبيه محمد ﷺ في نقل القرآن الكريم والوحي، وقد وصف الله هذا النزول بأنه {تنزيل من رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} (الشعراء: 192-194).
وقد وصف النبي ﷺ هذا التلقي بقوله:
"إن روح القدس نفث في رُوعي..." [رواه أبو داود] فقد كان النبي ﷺ يتلقى الوحي مباشرة من جبريل، سواء في حال نزول السورة كاملة، أو آيات متفرقة بحسب الوقائع.
جبريل يعلّم النبي ﷺ القرآن في رمضان
من أعظم صور العلاقة بين جبريل والنبي ﷺ: مدارسة القرآن في رمضان.
فقد ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما:
"كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن".
هذه المدارسة لم تكن فقط تعليمًا للنبي ﷺ، بل تأكيدًا لحفظه واستظهاره، ومراجعة دقيقة لكل ما نزل عليه، حتى يُحكم حفظه ويُثبّت في قلبه.
وفي السنة التي توفي فيها النبي ﷺ، دارسه جبريل مرتين، كما في الحديث:
"وكان يعارضه القرآن في كل سنة مرة، فعارضه مرتين في السنة التي قبض فيها" [البخاري].
جبريل يعلّم النبي ﷺ الدين بأركانه
ظهر جبريل مرة بصورة رجل غريب، وجلس بين يدي النبي ﷺ في المسجد، وسأل عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة، فقال له النبي ﷺ في نهاية الحديث:
"هذا جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم" [رواه مسلم].
ويُعد هذا الحديث من أعظم أحاديث الإسلام، حتى سماه بعض العلماء: "أم السنة"، لما فيه من بيان شامل لأصول الدين. وهنا تتجلّى عظمة جبريل، ليس فقط كناقل للوحي، بل كمعلّم مباشر للنبي ﷺ وللأمة من خلاله.
جبريل في المواقف الكبرى مع النبي ﷺ
كان جبريل حاضرًا في أبرز اللحظات المفصلية في حياة النبي ﷺ، ومنها:
ليلة الإسراء والمعراج:
رافق جبريل النبي ﷺ في الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومنها إلى السموات العُلى، حتى سدرة المنتهى، ثم انفرد النبي ﷺ بلقاء الله.
غزوة بدر:
نزل جبريل عليه السلام مع الملائكة مقاتلًا مع المسلمين:
﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ (الأنفال: 9)
وفاة النبي ﷺ:
ورد في بعض الآثار (حسنها بعض العلماء) أن جبريل قال للنبي ﷺ في مرض موته:
"يا محمد، ملك الموت يستأذن عليك..."
فاختار النبي ﷺ الرفيق الأعلى، فقال جبريل:
"يا محمد، هذه آخر مرة أهبط فيها إلى الأرض".
جبريل: الوحي والطمأنينة
لم يكن جبريل فقط ناقلًا للرسالة، بل كان مُعينًا ومواسيًا للنبي ﷺ في أوقات الشدة:
♦ في غار حراء عندما خاف النبي من أول لقاء، ثبّته جبريل.
♦ في الطائف، لما آذى المشركون النبي، جاء جبريل ومعه ملك الجبال ليعرض الانتقام.
♦ في حادثة الإشاعة حول عائشة رضي الله عنها، نزل جبريل مؤيدًا بالوحي.
📚 المصادر:
♦ صحيح البخاري
♦ صحيح مسلم
♦ تفسير ابن كثير
♦ فتح الباري لابن حجر
♦ سيرة ابن هشام
♦ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
♦ دلائل النبوة للبيهقي
♦ زاد المعاد لابن القيم
✅ الخلاصة:
العلاقة بين جبريل عليه السلام والنبي محمد ﷺ لم تكن علاقة إرسال فقط، بل علاقة معلم بتلميذ، وصاحب برسول، ورفيق درب في طريق النبوة. لقد كان جبريل هو "الروح الأمين"، والمصدر الأول للطمأنينة، والحامل للوحي، والمُدارس للقرآن، والمشارك في الجهاد، والمُهيّئ للقاء الله. وما من نبي نزل عليه وحي إلا عن طريق جبريل، ولكن محمدًا ﷺ هو الذي نزل عليه جبريل أكثر مما نزل على غيره.