مقدمة:
من يقرأ القرآن الكريم بتدبر يجد فيه إشادة عظيمة بالصحابة الكرام رضي الله عنهم، ويستحيل على المسلم المتجرد أن يسيء الظن بمن زكاهم الله ورسوله. لكن في كل زمان يظهر من يطعن في هؤلاء الأخيار، ويدعي أنهم كانوا منافقين أو مرتدين، وهذه فرية عظيمة تُكذبها نصوص القرآن والسنة وتاريخ الأمة.
أدلة فضل الصحابة من القرآن الكريم:
1- سورة الفتح، الآية 29: قال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ... لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾. وهذه الآية بينت فضل الصحابة بإجمال، ووصفتهم بأوصاف الإيمان والعبادة والجهاد، وختمت بأن وجودهم "يُغِيظ الكفار"، فهل من يتغاظى منهم مؤمن؟!
2- سورة التوبة، الآية 100: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ... رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾. تصريح إلهي برضا الله عنهم وإعداده الجنة لهم.
3- سورة التوبة، الآية 117: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ﴾، في بيان فضلهم في غزوة تبوك رغم شدتها.
4- سورة الحشر، الآيات 8-10: تشمل المهاجرين، الأنصار، والتابعين لهم بإحسان، فترضى عنهم جميعًا.
5- سورة الفتح، الآية 18: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾، وورد في الحديث: "لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة" [رواه مسلم وغيره].
6- سورة الحديد، الآية 10: ﴿ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾، فكل من أنفق وجاهد قبل وبعد الفتح وعدهم الله بالجنة.
الرد على فرية نفاق الصحابة:
من أبرز الافتراءات التي تطلقها بعض الفرق المنحرفة اتهام الصحابة بالنفاق، خصوصًا بعد وفاة النبي ﷺ. والحقيقة أن هذه التهمة لا تصمد أمام النصوص الشرعية ولا أمام الوقائع التاريخية.
· من قاد حروب الردة؟ ومن قاتل المرتدين؟ الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر.
· من نشر الإسلام في العراق والشام ومصر وفارس؟ هم الصحابة الكرام.
· من نقل إلينا القرآن والسنّة؟ إنهم الصحابة الذين اتُّهموا زورًا بالنفاق!
الدعوة إلى الجهاد بعد النبي ﷺ وبيان صحة خلافة الخلفاء الراشدين:
في سورة الفتح (الآية 16)، أُمر المخلفون من الأعراب بالجهاد ضد أقوام أولي بأس شديد، وهو ما تحقق في حروب الردة وفارس والروم، كما فسره السلف. وهذا دليل على صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان، كما قال القرطبي والجصاص وغيرهم.
براءة الصحابة من النفاق بنص القرآن:
في سورة التوبة (الآية 83)، أمر الله نبيه أن يمنع المنافقين من صحبته في أي سفر قادم، ثم خرج النبي ﷺ بعد تبوك في حجة الوداع ومعه عشرات الآلاف، فدل ذلك على أنهم ليسوا من المنافقين، بل برأتهم الآية.
قال ابن عاشور وغيره من المفسرين: هذه الآية دليل على براءة من خرج في حجة الوداع من النفاق.
كلام أهل العلم في عدالة الصحابة:
قال ابن تيمية: "نعلم بالضرورة إيمان ابن عمر وابن عباس وأنس وأبي سعيد وغيرهم، فكيف يُشك في مثل الخلفاء الراشدين؟!"
وقال المرداوي: "لم يوجد رواية عن صحابي لُمِز بالنفاق".
وقال الإمام الشافعي: "الصحابة قوم حفظوا عن رسول الله السنن، وهم أولى الناس باتباعهم".
تناقض القائلين بنفاق الصحابة:
من العجب أن من يطعن في الصحابة يعتمد على روايات منسوبة إليهم في إثبات دينه! فكيف تطعن في عدالة من نقل لك دينك؟!
الفرق بين الصحابة والمنافقين في القرآن:
· المنافقون لا يُوصفون بالفقه أو العلم أو الصدق.
· أما الصحابة، فوُصفوا بالإيمان، والصبر، والجهاد، والفقه، ونقل الشريعة.
قال الله: ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7]، وقال: ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 8].
خاتمة:
الطعن في الصحابة طعن في الدين؛ لأنهم حملة الرسالة ومُبلغو الوحي، وإذا سقطت عدالتهم سقط الإسلام نفسه. وقد أجمع أهل السنّة والجماعة على عدالتهم، وبيّن القرآن فضلهم، وزكاهم الرسول ﷺ في حياته، وأوصى بهم خيرًا.
قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [الواقعة: 10-11]، وقال: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ... وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ... ﴾ [النساء: 115]، فاتباع سبيل الصحابة شرط للهداية.
فليحذر المسلم من الوقوع في حبائل أهل البدع والضلال، وليُجلَّ أصحاب رسول الله ﷺ، فهم خير القرون، وهم عدول هذه الأمة، رضي الله عنهم أجمعين.
المصادر:
• القرآن الكريم
• تفسير الطبري
• تفسير ابن كثير
• منهاج السنة لابن تيمية
• أحكام القرآن للجصاص
• تفسير القرطبي
• فتح الباري لابن حجر
• سير أعلام النبلاء للذهبي