يُلاحظ أن بعض علماء الشيعة وغيرهم يستخدمون آيات من القرآن الكريم بهدف الطعن في نسب بعض الصحابة الكرام، ومن أبرز الأمثلة زعم الطعن في نسب سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ. وهذا المقال يوضح تفسير هذه الآية المباركة وفق أقوال أهل التفسير وعلماء المسلمين، ويبين خطأ الطعن في نسب الصحابة، مع توضيح الشبهة والرد عليها.

تفسير الآية: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾

يحتج الرافضة بهذه الآية الكريمة في الطعن بنسب سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه، فينبغي مطالبتهم اولا بمن قال من أهل التفسير أن الآية فيها طعن بنسب عمرو بن العاص رضي الله عنه؟!. فالآية الكريمة لا يوجد فيها أي دلالة لا من بعيد ولا من قريب بالطعن بالنسب، وذلك لأن تفسير كلمة (شانئك) تعني مبغضك، فلو أن كل مبغض للنبي صلى الله عليه واله وسلم مطعون بنسبه للزم من ذلك الطعن بأنساب كل اليهود والنصارى والمشركين، بل الطعن بنسب ابي لهب عم رسول الله صلى الله عليه واله، ولا يقول بهذا أي مسلم، ويلزم منه أن الذي يبغض النبي صلى الله عليه واله وسلم، ثم يُسلم يتغير حاله من مطعون بنسبه الى غير مطعون بنسبه، ولا يقول بهذا القول أي مسلم.

قال الإمام ابن جرير بعد أن ذكر أقوال أهل العلم:

 "وَأَوْلَى الْأقوال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أن يُقَالَ: أن اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أن مُبْغِضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْأَقَلُّ الْأَذَلُّ، الْمُنْقَطِعُ عَقِبُهُ، فَذَلِكَ صِفَةُ كُلِّ مَنْ أَبْغَضَهُ مِنَ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَتِ الْآية نَزَلَتْ فِي شَخْصٍ بِعَيْنِهِ "

تفسير الطبري – محمد بن جرير الطبري – ج 24 ص 700

وقال الحافظ ابن كثير:

"وقوله: ﴿أن شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾ أي: أن مبغضك -يا محمد-ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين، هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكْرُه.

قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة: نزلت في العاص بن وائل.

وقال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره. فأنزل الله هذه السورة.

وقال شَمِر بن عطية: نزلت في عقبة بن أبي مُعَيط.

وقال ابن عباس أيضا، وعكرمة:

 نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش.

وقال البزار: حدثنا زياد بن يحيى الحَسَّاني، حدثنا بن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا المُصَنْبر المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة وأهل السقاية؟ فقال: أنتم خير منه. قال: فنزلت: ﴿أن شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾

هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح.

وعن عطاء: نزلت في أبي لهب، وذلك حين مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين وقال: بُتِرَ محمد الليلة. فأنزل الله في ذلك: ﴿أن شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾

وعن ابن عباس: نزلت في أبي جهل. وعنه: ﴿أن شَانِئَكَ﴾ يعني: عدوك. وهذا يَعُمُّ جميعَ من اتصفَ بذلك ممن ذكر، وغيرهم.

وقال عكرمة: الأبتر: الفرد. وقال السُّدِّي: كانوا إذا مات ذكورُ الرجل قالوا: بُتر. فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: بتر محمد. فأنزل الله: ﴿أن شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾

وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره، وحاشا وكلا بل قد أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرا على دوام الآباد، إلى يوم الحشر والمعاد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد "

تفسير ابن كثير – ابو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير - ج 8 ص 504 – 505

وقال الشريف المرتضى:

"فأما قوله (أن شانئك هو الأبتر) فمن أعجب الكلام بلاغة واختصارا وفصاحة، وكم بين الشاني والعدو في الفصاحة وحسن العبارة. وقيل: أن الأبتر هو الذي لا نسل له ولا ذكر له من الولد، وأنه عني بذلك العاص بن وايل السهمي. وقيل: أن الأبتر هاهنا هو المنقطع الحجة والأمل والخير، وهو أحب إلي وأشبه بالفصاحة"

رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 1 ص 438

وقال الخوئي:

 "وقد أنزل الله سبحانه: "أن شانئك هو الأبتر: 3". فلا يبقى له اسم ولا رسم، فكانت العاقبة لهؤلاء الشانئين ما أخبر الله عنهم، فلم يبق لهم اسم ولا ذكر خير في الدنيا زيادة على جزائهم في الآخرة من العذاب الأليم، والخزي الدائم "

البيان في تفسير القرآن - الخوئي - ص 99

فالآية الكريمة المباركة عامة في كل مبغض للنبي صلى الله عليه واله وسلم، وان المراد منها أن الله تعالى يقطع ذكر من مات وهو مبغض لمحمد صلى الله عليه واله وسلم.

الشبهة والرد عليها

الشبهة: بعض الرافضة يستدلون بالآية للطعن في نسب سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه.

الرد:

الآية لا تتحدث عن نسب أي صحابي، بل عن مبغض النبي ﷺ.

تفسير كلمة "الأبتر" كما ذكره المفسرون يعني الأقل، المنقطع أثره وخيره، وليس الطعن في النسب.

كل من أسلم بعد البغض يتحول حاله إلى ما يرضي الله، ولا يكون مطعونًا بنسبه.

هذا التأويل الذي يزعمه الرافضة مخالف لإجماع المفسرين وأقوال العلماء المسلمين.