إدعاء التيجاني على عمر بالجهل

يُعدّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أعظم رجالات الإسلام، وأحد أبرز من نصر الدين بعد رسول الله ﷺ، عُرف بعدله وفقهه وورعه، وكان من كبار فقهاء الصحابة الذين أقاموا أحكام الشريعة على الحق والإنصاف. ومع هذا، لم تسلم سيرته العطرة من ألسنة أهل الأهواء، وعلى رأسهم المدعو التيجاني الذي بنى طعونه على روايات مبتورة وفهوم سقيمة، ظاهرها النقد وباطنها التشويه والافتراء.
فزعم أن عمر خالف القرآن والسنة في أحكام عدة: منها التيمم، ومتعة الحج، ومتعة النساء، وحدّ الزنا في قضية المغيرة، وسهم ذوي القربى. وكلّ ذلك لا يعدو كونه شبهاتٍ ساقطة، تهاوت أمام التحقيق العلمي والنقل الثابت.
في هذا المقال نعرض لهذه الشبهات واحدةً تلو الأخرى، مع الرد عليها بالأدلة الصحيحة من القرآن والسنة وأقوال العلماء، ليتبيّن لكل منصف أن ما رُوي في حق الفاروق إنما هو تحريف متعمّد من فرقة ضالّة هدفها الطعن في رموز الإسلام الذين حملوا الدين ونصروه، فحُقّ أن يُقال: من أبغض عمر فقد أبغض الإسلام نفسه.

الشبهة:

ادّعى التيجاني أن عمر جهل آية التيمم.

يقول التيجاني:

 ((ونسمع عن علم عمر بن الخطاب الكثير الذي لا حصر له حتى قيل أنه أعلم الصحابة وقيل أنه وافق ربّه في كثير من آرائه التي ينزل القرآن بتأييدها في العديد من الآيات التي يختلف فيها عمر والنبي. ولكنّ الصحيح من التاريخ يدلّنا على أن عمر لم يوافق القرآن حتى بعد نزوله، عندما سأله أحد الصحابة أيام خلافته فقال: يا أمير المؤمنين إني أجنبت فلم أجد الماء فقال له عمر: لا تصلّ واضطّر عمار بن ياسر أن يذكّره بالتيمم ولكن عمر لم يقنع بذلك وقال لعمار: إنا نحمّلك ما تحملت، فأين علم عمر من آية التيمّم المنزّلة في كتاب الله وأين علمه من سنة النبي الذي علّمهم كيفية التيمم كما علّمهم الوضوء))

 -1لم يرو البخاري هذا الأثر بهذا اللفظ، إنما جاء عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال ((جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أُصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنّا كنّا في سفر أنا وأنت، فأما أنت لم تُصلِّ، وأما أنا فتمعّكت فصلّيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه)
 -2 من المعلوم أن عمر بن الخطاب كان لا يجيز للجنب التيمم ويأخذ بظاهر قوله تعالى ﴿وإن كنتم جُنباً فاطّهروا﴾ وقوله ﴿ولا جُنُباً إلا عابري سبيل حتى تغْتسلوا وبقي عمر كذلك حتى ذكره عمار بالحادثة بينهما ولكنه لم يتذكر ذلك، ولهذا قال لعمار كما جاء في رواية مسلم، اتّق الله يا عمار قال النووي شارح مسلم ((معنى قول عمر (اتق الله يا عمار) أي فيما ترويه وتتثبّت فيه، فلعلك نسيت أو اشتبه عليك، فإني كنت معك ولا أتذكرشيئاً من هذا)) ولما قال له عمار:إن شئت لم أحدّث به فقال له عمر: نوليك ما توليت وليس نحملك ما تحملت ((أي لا يلزم من كوني لا أتذكّره أن لا يكون حقاً في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحدّث به))فكلّ ما في الأمر أن عمر لم يتذكر هذه الحادثة وأعتقد أنه ليس معصوماً حتى يُجعل هذا مما يعاب عليه.

وأما قوله: (فأين عمر من آية التيمم المنزلة في كتاب الله، وأين علمه من سنة النبي (ص) الذي علّمهم كيفية التيمم كما علّمهم الوضوء) فهذا لا يدل إلا على عظيم جهله وسخفه، فعمر يعلم هذه الآية ولم يجهلها ويعلم كيفيّة التيمم، ولكن المشكلة عنده هي هل تشمل الجنب أم لا؟ فالله سبحانه يقول ﴿وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً﴾ وعمر لم ير الجنب داخلاً في هذه الآية، والملامسة التي في الآية فسّرها بملامسة اليد لا بالجماع لذلك كان يرى وجوب الوضوء لمن لمس المرأة.

شبهة متعة الحج:

زعم التيجاني أن عمر حرّم متعة الحج.

ثم يقول ((... وتجرّأ على كتاب الله وسنة رسوله فحكم في خلافته بأحكام تخالف النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة)) ويقول في موضع آخر ((وكان عمر بن الخطاب يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه، كقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما)) فأقول وبالله التوفيق:

1-  بالنسبة لتحريم متعة الحج فالصحيح أن عمر لم يحرّمها نهي تحريم، وإنما كان يريد إرشاد الناس إلى ما هو أفضل والنهي هنا هو نهي أولوية للترغيب في القران بدل التمتع بالعمرة إلى الحج، وحتى لايخلو بيت الله الحرام من المعتمرين باقي أيام السّنة، ولأن التمتّع كان من السهولة بحيث تُرك الاعتمار في غير أشهر الحج، ولهذا أراد عمر ألاّ يخلوا بيت الله من المعتمرين فنهاهم عن التمتع على سبيل الإختيار لا على التحريم، وإلا فقد ثبت عن عمر إباحته فعن ابن عباس قال ((سمعت عمر يقول والله إني لا أنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني العمرة في الحج)) وعن الصُّبي بن معبد في جزء من الحديث أنه قال لعمر: إني أحرمت بالحج والعمرة، فقال له عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الاعتمار في غير أشهر الحج أفضل من المتعة باتفاق الكثير من الفقهاء.

 -2 ثبت أيضاً عن أبي ذر أنه كان يحرِّم متعة الحج مطلقاً كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن إبراهيم التيِّمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال ((كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة))، وأبو ذر من الصحابة المرضيين عندكم فإذا كان الخطأ في مسألة يقتضي القدح والطعن فينبغي أن يشمل أبو ذر أيضاً اللهم إذا كانت القضية هي البحث عن مثالب عمر فقط!
 -3
يلاحظ القارئ أن التيجاني يستدل بحديث يرويه أهل السنة في كتبهم على أنه صحيح، والسبب اعتقاده أن الحديث يطعن في عمر، وقد أثبتُّ بآثار أُخرى عن عمر ما يخالف هذه الرواية ولا شك أن هذه الآثار باطلة شرعاً وعقلاً والسبب أنها في صالح عمر.

شبهة متعة النساء:

قال التيجاني أن عمر حرّمها برأيه:

4- وبالنسبة لمتعة النساء فلم يحرِّمها عمر من تلقاء نفسه بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّمها فقد أخرج مسلم في صحيحه عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدَّثه، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ((يا أيها الناس إني قد كنت أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنَّ شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً))وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الزهري عن الحسن بن محمد بن علي، وأخوه عبد الله عن أبيهما ((أن علياً رضي الله عنه قال لابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية، زمن خيبر))، فنكاح المتعة حُرِّم عام الفتح ولا إشكال في الرواية الأخرى التي فيها أنها حرِّمت يوم خيبر والصحيح أنها لم تحرَّم عام خيبر ((بل عام خيبر حرِّمت لحوم الحمر الأهلية، وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذلك عليه، وقال له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّم متعة النساء وحرَّم لحوم الحمر يوم خيبر، فقرن علي رضي الله عنه بينهما في الذِّكْرِ لما روى ذلك لابن عباس رضي الله عنهما، لأن ابن عباس كان يبيحهما. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه أنه رجع عن ذلك لمَّا بلغه حديث النهي عنهما))، ولهذا كان سفيان بن عيينة يقول ((قوله (يوم خيبر) يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة))، وقال ((أبو عوانة في صحيحة سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأما المتعة فسكت عنها وإنما نُهي عنها يوم الفتح))، وقيل أنها حرِّمت يوم خيبر ثم أبيحت، ثم حرِّمت مرة أخرى، وعلى العموم فقد ثبت تحريمها بالاتفاق عام الفتح من فم النبي صلى الله عليه وسلم.

 -5 لقد اعترف بهذه الحقيقة عالم شيعي فتح الله بصيرته فأناب إلى الحق وبيَّن أن متعة النساء حرِّمت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأن عمر لم يحرَّمها من تلقاء نفسه وقد أقرَّه على ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول ((إن النظرية الفقهية القائلة بأن المتعة حُرِّمت بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب يفندها عمل الإمام علي الذي أقر التحريم في مدة خلافته ولم يأمر بالجواز وفي العرف الشيعي وحسب رأي فقهائنا عمل الإمام حجة لا سيما عندما يكون مبسوط اليد ويستطيع إظهار الرأي وبيان أوامر الله ونواهيه. والإمام علي كما نعلم اعتذر عن قبول الخلافة واشترط في قبولها أن يكون له اجتهاده في ادارة الدولة. فإذن اقرار الإمام علي على التحريم يعني أنها كانت محرمه منذ عهد الرسول (ص) ولولا ذلك لكان يعارضها ويبين حكم الله فيها وعمل الإمام حجة على الشيعة ولست أدري كيف يستطيع فقهائنا أن يضربوا بها في عرض الحائط))، ومن هنا نعلم أن ((أهل السنة اتبعوا علياً وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والشيعة الاثني عشرية خالفوا علياً فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، واتبعوا قول من خالفه.

ولما لم يعلم الكثير من الناس بأمر التحريم نبه على ذلك عمر وأعلنه للناس فعن ابن عمر قال ((لما ولي عمر بن الخطاب، خطب الناس فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً، ثم حرمها. والله! لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة. إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله أحلَّها بعد إذ حرمها)) لذلك قال سعيد بن المسيب ((رحم الله عمر لولا أنه نهى عن المتعة لصار الزنا جهاراً))، فأسأل التيجاني هل عرفت حقاً من يخالف النصوص القرآنية والأحاديث النبوية إنهم شيعتك الذين هديت إليهم فحيهلا من هداية!

 شبهة حدّ الزنا في المغيرة:

اتهمه التيجاني بأنه لقّن الشاهد الرابع ليسقط الحد:

وهي أن عمر درأ حد الزنا عن المغيرة بن شعبة مع ثبوته بالبينة وهي اربعة رجال، ولقن الرابع كلمة تدرأ الحد فقد قال له لما جاء للشهادة: أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين.

والجواب:

 أن درء الحد إنما يكون بعد ثبوته، ولم يثبت لعدم شهادة الرابع كما ينبغي، وتلقينه الشاهد كذب وبهتان من أهل العدوان، إذ قد يثبت في التواريخ المعتبرة كتاريخ البخاري وابن الأثير وغيرهما أنه لما جاء الرابع وهو زياد ابن ابيه قالوا له: أتشهد كأصحابك؟ قال: أعلم هذا القدر، إني رأيت مجلساً ونفساً حثيثاً وأنتهازاً ورأيته مستبطنها.

 أي مخفيها تحت بطنه ورجلين كأنهما أذنا حمار، فقال عمر: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا.

وقد وقع ذلك بمحضر الأمير وغيره من الصحابة. فأين التلقين يا أرباب الزور المفترين؟ ولفظ ((أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين)) إنما قاله المغيرة في ذلك الحين كما هو حال الخصم مع الشهود، ولا سيما إذا كان يترتب عليه حكم موجب لهلاكه. على أن عمر لو درأ الحد لكان فعله لفعل المعصوم، فقد روى ابن بابويه في (الفقيه) أن رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه وأقر بالسرقة إقراراً موجباً للقطع، فلم يقطع يده، والله تعالى الهادي .

ومنها أن عمر لم يعط أهل البيت سهمهم من الخمس الثابت بقوله تعالى: ﴿وأعلموا إنما غنمتم من شئ، فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل  فقد خالف حكم الله تعالى

 والجواب:

 أن فعل عمر موافق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم. وتحقيقه أن أبا بكر وعمر كانا يخرجان سهم ذوى القربى من الخمس ويعطيانه لفقرائهم ومساكينهم كما كان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعليه الحنفية وجمع كثير من الإمامية، وذهب الشافعية إلى أن لهم خمس الخمس يستوى فيه غنيهم وفقيرهم، ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويكون بين بني هاشم والمطلب دون غيرهم، والأمير أيضاً عمل كعمل عمر فقد روى الطحاوي والدارقطني عن محمد بن إسحق أنه قال: سألت أبا جعفر محمد بن الحسين: أن أمير المؤمنين على بن أبي طالب لما ولى أمر الناس كيف كان يصنع في سهم ذوي القربى؟ فقال: سلك به والله مسلك أبي بكر وعمر. إلى غير ذلك من رواياتهم، فإذا كان فعل عمر موافقاً لفعل النبي والأمير يكون محلاً للطعن؟ ومن يضلل الله فلا هادي له، نسأله تعالى السلامة من الغباوة والخبث.