إنَّ التاريخ الإسلامي، بما يحمله من أحداث جسام وشخصيات عظيمة، يظل ميدانًا خصبًا لمحاولات التشويه والافتراء من قبل أصحاب الأهواء والبدع. ومن أشد هذه المحاولات خطرًا وأكثرها تكرارًا، تلك التي تستهدف الطعن في عدالة الرعيل الأول من الصحابة الكرام، الذين بهم قام الدين، وعنهم أُخذ القرآن والسنة. وفي هذا السياق، تبرز شبهةٌ دأبت على ترويجها الرافضة، الفرقة الضالة التي تتبنى مذهب الاثني عشرية، وهي زعمهم بأن أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنها، كانت تحمل في قلبها كراهيةً لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وأن خروجها إلى البصرة كان بدافع نقض بيعته والتحريض على قتاله. إنَّ هذه الدعوى لا تعدو كونها كذبًا صريحًا وافتراءً مبينًا، يهدف إلى زعزعة الثقة في أمهات المؤمنين وفي الصحابة الأجلاء، وتشويه صورة الإسلام النقية.
إنَّ من يتأمل في سيرة الصديقة بنت الصديق، وفي فضائلها التي شهد لها بها الوحي، وفي منزلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدرك يقينًا أنَّ مثل هذه التهمة لا يمكن أن تلتصق بشخصيتها النقية. لقد كانت السيدة عائشة، رضي الله عنها، من أعلم نساء الأمة وأفقههن وأزهدهن، وهي التي برأها الله تعالى من فوق سبع سماوات في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة. فكيف يُعقل أن تكون هذه المرأة المباركة، التي كانت مرجعًا للصحابة في الفقه والحديث، هي من تسعى لشق صف المسلمين ونقض بيعة إمام اجتمع عليه أهل الحل والعقد؟
يهدف هذا المقال إلى تفنيد هذه الشبهة المغرضة تفنيدًا علميًا وتاريخيًا، بالاعتماد على منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع قضايا الصحابة، وهو منهج يقوم على التثبت والإنصاف وحسن الظن بهم جميعًا. وسنوضح أن خروجها، رضي الله عنها، لم يكن إلا طلبًا للإصلاح والمطالبة بحق شرعي، وهو القصاص من قتلة عثمان، رضي الله عنه، وأن الفتنة التي وقعت كانت بفعل أيادٍ خبيثة، هي أيادي السبئية، التي عملت على إشعال نار الحرب بين الصحابة الأطهار.
الشبهة والرد عليها من وجهة نظر أهل السنة والجماعة
مضمون الشبهة
يدَّعي بعض الطاعنين، وعلى رأسهم الرافضة الاثنا عشرية، أن السيدة عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، كانت تكره عليًا، رضي الله عنه، ولا ترى له أحقية في الخلافة، وأن كراهيتها له هي التي دفعتها إلى أن تخرج عليه وتنقض بيعته، متعللة هي ومن تابعها بدم عثمان والقصاص من قتلته. ويراد بذلك الطعن في عدالة ذلك الرعيل الأول الذي يُكبره المسلمون ويأخذون عنه القرآن وشرائع الإسلام.
الرد على الشبهة
إنَّ دعوى أن السيدة عائشة نقضت بيعة علي، رضي الله عنه، وخرجت لقتاله بدافع من الكراهية، هي دعوى باطلة من أساسها، ويُبطلها وجهان رئيسان من وجوه الرد، بالإضافة إلى تحليل عميق للسياق التاريخي للفتنة.
أولًا: فضائل عائشة ومنزلتها في الإسلام تدفع عنها إرادة الفتنة
إنَّ منزلة عائشة، رضي الله عنها، وفضائلها ومناقبها وتقواها ومكانتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الإسلام، تنفي تمامًا أن تكون قد نقضت بيعة علي، رضي الله عنه، التي اجتمع عليها أهل الحل والعقد.
1. مكانتها وفضائلها:
عائشة، رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق أبي بكر، من خيار نساء الدنيا على الإطلاق، لما لها من مزايا عظيمة وفضائل كثيرة، وإيمان راسخ، وزهد وأدب، وفقه دقيق، وذكاء مُفرط، وسيرة عطرة، وسلوك حسن، وعبادة وخشوع، وغيرة على الدين، وحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا حازت، رضي الله عنها، مكانة عظيمة ورتبة جليلة؛ فقد جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» [1].
ومن فضائلها، رضي الله عنها: أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها أحب زوجاته إليه، وأنه لم ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه امرأة في لحاف إلا السيدة عائشة، رضي الله عنها. ومن مناقبها العظيمة تبرئة الله لها من فوق سبع سماوات – من الإفك الذي طُعنت به – في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (النور: 11). وأعظم بها من منقبة.
2. سعة علمها وفقهها:
كانت أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، فقيهة يشار إليها بالبنان، وقد قال عنها الإمام الزهري: "إنها أفقه نساء الأمة على الإطلاق" [2]. وكانت مرجعًا في التفسير والحديث؛ إذ روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ألفي حديث. وقد كان كبار الصحابة، كأبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، يرجعون إليها في المسائل المستغلقة. إنَّ هذه المكانة العلمية والفقهية تجعلها أبعد ما تكون عن الإقدام على عمل يخالف الشرع أو يهدد وحدة الأمة، كنقض بيعة شرعية. إنَّ علمها وفقهها بأحكام الشريعة، ومنها وجوب السمع والطاعة لولي الأمر الذي انعقدت له البيعة، يمنعها من نقض بيعة علي، رضي الله عنه، الذي توافرت فيه شروط الإمامة التي أقرها أهل الحل والعقد [3].
3. إقرارها بشرعية خلافة علي رضي الله عنه:
إذا علمنا منزلة عائشة ومكانتها هذه، وفضائلها ومناقبها تلك، فهل مثل هذه النقية الورعة الزاهدة تنقض بيعة اجتمع عليها أهل الحل والعقد؟!
لا شك أن شروط الإمامة المعتبرة، وهي: العدالة، والعلم المؤدي إلى الاجتهاد، وسلامة الحواس والأعضاء، والرأي المفضي إلى سياسة الرعية، والشجاعة والنجدة، والنسب القرشي، قد توافرت جميعها في علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. ولذلك لم يجد أهل الحل والعقد أحدًا أحق بالخلافة منه، رضي الله عنه، بعد مقتل عثمان، رضي الله عنه. وقد تمت بيعة علي، رضي الله عنه، بطريقة الاختيار، بعد أن استُشهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، على أيدي الخارجين المارقين الشذاذ الذين جاءوا من الآفاق [4].
إنَّ هذا الزعم الباطل لا يستقيم مع ما ثبت تاريخيًا من إقرار السيدة عائشة، رضي الله عنها، بشرعية خلافة علي، رضي الله عنه. ومما يدل على خلاف زعمهم هذا ما رواه الأحنف بن قيس أنه قدم المدينة فوجد عثمان، رضي الله عنه، محصورًا، فلقي طلحة والزبير فقال لهما: "ما تأمراني به وترضيانه لي فإني لا أرى هذا الرجل – يقصد عثمان رضي الله عنه – إلا مقتولًا؟ فقالا: علي. ثم قال – أي الأحنف -: أتأمراني به وترضيانه لي؟ قالا: نعم. ثم انطلق حتى إذا أتى مكة جاء الخبر بقتل عثمان، فلقي أم المؤمنين عائشة، وكانت وقتذاك بمكة، فقال لها: من تأمريني أن أبايع؟ قالت: عليًا. قال: تأمرينني به وترضينه لي؟ قالت: نعم" [5].
وتأسيساً على ما سبق، نجد عائشة، رضي الله عنها، تدعو المسلمين إلى بيعة علي، رضي الله عنه، وإلى اختياره خليفة لهم، فكيف تنقض بيعته، وكيف تكون له كارهة؟!
ثانيًا: لم يكن خروج السيدة عائشة بقصد الحرب، وإنما كان بقصد الإصلاح
لم يكن خروج السيدة عائشة وطلحة والزبير على علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، بقصد الحرب، وإنما كان خروجهم بقصد الإصلاح والمطالبة بحق شرعي.
1. المطالبة بالقصاص من قتلة عثمان:
لقد أحدث قتل عثمان، رضي الله عنه، في بيته، وفي حرم نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي الشهر الحرام – ذي الحجة – توجعًا عظيمًا عند المسلمين، وكان لا بد من القصاص من قتلته. ولا ريب أن جميع الصحابة، رضي الله عنهم، كانوا متفقين على ضرورة إقامة القصاص على قتلة عثمان، فهم جميعًا متفقون في أصل المسألة، وإنما كان اختلافهم في الطريقة التي تُعالج بها هذه القضية.
تحليل موقف علي رضي الله عنه:
كان أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، موافقًا من حيث المبدأ على وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان، وإنما كان رأيه أن يُرجئ ذلك إلى حين استقرار الأوضاع وهدوء الأمور واجتماع الكلمة [6]. لقد كان علي، رضي الله عنه، يرى أن التعجيل بالقصاص في ظل الفتنة المستعرة ووجود قتلة عثمان ضمن صفوف الجيش قد يؤدي إلى حرب أهلية شاملة لا تُبقي ولا تذر، خاصة وأن هؤلاء القتلة كانوا قد اختلطوا بالقبائل وأصبحوا قوة لا يُستهان بها. كان اجتهاده، رضي الله عنه، يهدف إلى تجنيب الأمة فتنة أكبر، وإلى توحيد الصف أولًا، ثم تطبيق الحد الشرعي ثانيًا.
اجتهاد عائشة وطلحة والزبير:
في حين رأت طائفة أخرى من الصحابة، ومنهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة أم المؤمنين، رضي الله عنهم، أن أول واجب على الأمة هو الثأر لخليفتها الشهيد والقصاص من القتلة الآثمين، خوفًا من تماديهم في الفتنة وتجرؤهم على حرمات المسلمين. كان اجتهادهم، رضي الله عنهم، ينبع من أن تأخير القصاص قد يُفهم على أنه تساهل مع القتلة، وقد يزيد من شوكتهم. وكان موقف أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، تعجيل القصاص من قتلة عثمان، رضي الله عنه، وما خرجت إلى البصرة إلا لهذا الغرض. وقد رُوي أنها، رضي الله عنها، عندما قدمت البصرة طالبت الناس بشيئين؛ أولهما: أخذ قتلة عثمان، رضي الله عنه، وثانيهما: إقامة كتاب الله عز وجل [7].
2. نية الإصلاح لا القتال:
إنَّ أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، لم تخرج لقتال، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين، وقد ظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها [8].
وقد أكد ذلك ابن العربي حين قال: "وأما خروجها، رضي الله عنها، إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب، ولكن تعلق الناس بها وشكوا إليها، ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح وطمعوا في الاستحياء منها، إذا وقفت للخلق، وظنت هي ذلك، فخرجت ممتثلة لأمر الله عز وجل في قوله: ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء: 114). والأمر بالإصلاح مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى حر أو عبد" [9].
3. مكيدة السبئية وإشعال الحرب:
لقد توافق علي، وطلحة، والزبير، رضي الله عنهم، على الصلح، وتم التفرق على الرضا بذلك. فخاف قتلة عثمان، وعلى رأسهم السبئية، من التمكن منهم والإحاطة بهم، فاجتمعوا وتشاوروا، ثم اتفقت آراؤهم على أن يندسوا في المعسكرين ويختلطوا، وأن يصيح الفريق الذي في معسكر علي: "غدر طلحة والزبير"، ويصيح الفريق الذي في معسكر طلحة والزبير: "غدر علي"، فتم لهم ذلك على ما أرادوا ودبَّروا، ونشبت الحرب، فكان كل فريق منهم دافعًا لمكروه عن نفسه، ومانعًا من إشاطة دمه.
دور السبئية في إشعال الفتنة:
إن السبئية، وهم أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر، كانوا هم الوقود الحقيقي للفتنة. لقد عملوا على تأجيج الصراع بين المسلمين، وكان هدفهم الأساسي هو هدم الدولة الإسلامية من الداخل. وعندما رأوا أن الصحابة الأجلاء، علي وطلحة والزبير وعائشة، قد اتفقوا على الصلح، أدركوا أن هذا الصلح يعني نهاية نفوذهم وكشف أمرهم، وبالتالي القصاص منهم. فكانت مكيدتهم الخبيثة هي الهجوم المباغت ليلًا على معسكر طلحة والزبير، ثم الهجوم على معسكر علي، بحيث يظن كل فريق أن الآخر قد غدر به وبدأ القتال [10].
وهكذا وقعت موقعة الجمل بفعل قتلة عثمان وخبث السبئية وما دبَّروه وكادوه للفريقين. إنَّ ما نؤمن به ونتيقنه بحقائق التاريخ وشواهد الواقع أن أحدًا من الفريقين لم يُرد قتالًا، وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا، ولم يقتتلوا ولا تحاربوا، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإغارة والتدبير عليهم، فبيَّتوا عسكر طلحة والزبير، وبذلوا السيف فيهم، فدفع القوم عن أنفسهم حتى خالطوا عسكر علي فدفع أهله عن أنفسهم، كل طائفة تظن ولا شك أن الأخرى بدأتها القتال، واختلط الأمر اختلاطًا [11].
ثالثًا: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام
إنَّ عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام، ومنهم علي وعائشة وطلحة والزبير، تقوم على مبدأ الترضي عنهم جميعًا، واعتقاد أنهم عدول، وأن ما جرى بينهم من خلاف كان مبنيًا على الاجتهاد، فالمصيب منهم له أجران والمخطئ له أجر واحد.
1. الترضي عنهم جميعًا:
يجب على المسلم أن يترضى عن جميع الصحابة، وأن يمسك عما شجر بينهم، وأن يؤول أفعالهم على أحسن وجه. قال الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير. وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان" [12].
2. الخلاف اجتهادي:
إنَّ الخلاف الذي وقع بين الصحابة في موقعة الجمل وصفين هو خلاف اجتهادي، وليس خلافًا في أصول الدين أو في أحقية علي بالخلافة. كان اجتهاد علي، رضي الله عنه، هو تأخير القصاص، وكان اجتهاد عائشة ومن معها هو تعجيله. وكلا الاجتهادين كان يهدف إلى مصلحة الأمة، وإن أدى إلى نتيجة لم يقصدها أحد منهم، وهي القتال.
3. براءة عائشة وعلي من الكراهية:
إنَّ ما حدث بين علي وعائشة بعد المعركة هو خير دليل على براءتهما من تهمة الكراهية. فقد جاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، إلى الدار التي فيها أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، فاستأذن عليها ورحبت به، ثم أرسلها مُعززة مُكرمة إلى المدينة مع أخيها محمد بن أبي بكر، واختار لها نسوة من نساء أهل البصرة المعروفات لصحبتها، رضي الله عنها [13]. ولو كانت كارهة له وخرجت لمقاتلته ونقض بيعته، لما قبلت الصلح، ولما كان ذهابها إلى البصرة، بل إلى المدينة، ولما دعت إلى بيعته، بل لنقضت بيعته ودعت الناس للخروج عليه، بيد أن شيئًا من هذا كله لم يكن وحاشاها أن يكون.
خلاصة الرد
إنَّ ما زعمه المزيفون من الرافضة الاثني عشرية من نقض السيدة عائشة، رضي الله عنها، لخلافة علي، رضي الله عنه، أو كراهيتها له، لا يستقيم ولا يثبت؛ فالصحيح خلافه، إذ كانت تدعو لخلافته، وقصة الأحنف بن قيس خير شاهد على هذا. وما زُعم من كراهية عائشة لعلي أو العكس، ينقضها ما حدث بينهما بعد المعركة، من إرسال علي لها مُعززة مُكرمة إلى المدينة. إنَّ المطالع لفضائل السيدة عائشة، رضي الله عنها، وعلمها وفقهها يعلم يقينًا أن هذا العلم يأبى عليها أن تنقض بيعة علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، التي أمضاها أهل الحل والعقد له؛ إذ لم يكن في وقته من هو أحق بالخلافة منه. كان خروجها وطلحة والزبير، رضي الله عنهم، إلى البصرة، للمطالبة بحق إقامة القصاص على قتلة عثمان والمطالبة بدمه لإعزاز الإسلام، ولم يرد أحد منهم الحرب، وإنما كانوا يريدون الإصلاح، لكن مكيدة السبئية هي التي أوقعت القتال بين الفريقين.
المصادر والمراجع
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ...﴾ (3411)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة رضي الله عنها (2446).
[2] حديث الإفك، د. عامر حسين السلامي، دار الإيمان، مصر، 2005م، ص299: 307 بتصرف.
[3] الأحكام السلطانية والولايات الدينية، الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م، ص6.
[4] أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص211 بتصرف يسير.
[5] تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص414.
[6] أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص459 بتصرف.
[7] الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة على أم المؤمنين عائشة، د. عبد القادر بن محمد عطا صوفي، أضواء السلف، الرياض، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص201.
[8] موقف الشيعة الاثنى عشرية من صحابة رسول الله، د. عبد القادر بن محمد عطا صوفي، دار أضواء السلف، الرياض، ط1، 1426هـ/ 2006م، ج3، ص1413.
[9] أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص487.
[10] تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص458.
[11] أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص508.
[12] الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي، د. محمد ياسين مظهر صديقي، ترجمة: د. سمير عبد الحميد إبراهيم، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م.
[13] أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص521.