لقد حذر الله تعالى من سبيل المجرمين وبيّن ضرورة كشف مسالكهم ومكرهم فقال سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: 55]. وهذه الآية تحمل دلالة عظيمة على أن معرفة طريق المجرمين ومعالمه سبيل من سبل النجاة لأهل الحق، حتى لا يقعوا في حبائل الباطل ولا يُستدرجوا إلى مكايد المضلين. ومن هنا كان من المهم لأهل السنة أن يحذروا من أساليب أهل البدع والضلال، خصوصًا الرافضة الذين عُرفوا بالتلبيس والتدليس.
ومن أبرز طرقهم أنهم يستغلون تشابه الأسماء بين علماء أهل السنة وبين رجال من الرافضة، فيُدخلون الباطل على الناس من هذا الباب، فيوهمون السامع أن المقصود من العلماء هو أحد الأئمة المعتبرين عند أهل السنة، بينما المراد في الحقيقة أحد رجالاتهم. وفي هذا المقال نسلط الضوء على هذه الحيلة، ونبين بالأمثلة كيفية وقوع هذا التدليس، مستندين إلى ما ذكره الألوسي في مختصر التحفة الإثني عشرية وغيره من العلماء .

النص:

قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ[الأنعام: 55].

قال ابن كثير رحمه الله: «أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل. وقرئ: (ولتستبين سبيل المجرمين) أي ولتستبين يا محمد، أو يا مخاطب، سبيل المجرمين» (تفسير ابن كثير).

إن من الأمور المهمة لأهل السنة أن يحذروا من طرق أهل البدع في التلبيس والتدليس عليهم.

وفي هذا الموضوع أود أن أبين لأهل السنة طريقة من طرق المبتدعة عموماً، والرافضة خصوصاً، في تلبيسهم وتدليسهم على أهل السنة.

والمتابع للمناظرات التي حصلت في قناة المستقلة يجد أن المتناظرين من الرافضة استخدموا هذا الأسلوب.

أما المكيدة التي يتبعها الرافضة فهي أنهم يدخلون على أهل السنة عن طريق السنة نفسها، ويقولون: قال العالم الفلاني كذا، وقال العالم الآخر كذا ويضعون أسماءً تشابه أسماء علماء معتبرين عند أهل السنة، وهم في الأصل رافضة.

قال الألوسي في مختصر التحفة الإثني عشرية (ص 32):

«ومن مكايدهم أنهم ينظرون في أسماء المعتبرين عند أهل السنة، فمن وجدوه موافقًا لأحد منهم في الاسم واللقب أسندوا رواية حديث ذلك الشيعي إليه، فمن لا وقوف له من أهل السنة يعتقد أنه إمام من أئمتهم فيعتبر بقوله ويعتد بروايته» انتهى. ثم ذكر أمثلة لذلك نذكرها بشيء من التفصيل:

1- السُّدِّي

هناك رجلان يقال لهما السدي:

السدي الكبير: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، أبو محمد القرشي الكوفي الأعور، من كبار المفسرين، أدرك جماعة من الصحابة مثل: أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وابن عمر رضي الله عنهم. وثقه كبار الأئمة كسفيان الثوري وشعبة.

السدي الصغير: محمد بن مروان السدي، رافضي وضاع كذاب، متروك الحديث عند أهل السنة.

ولنقف على شيءٍ من ترجمةِ كلِ واحدٍ منهما لكي يميز أهلُ السنةِ بينهما، وتتضحُ لهم الحقائقُ، ولا يغتروا بكذبِ الرافضةِ.

قال المزي في " تهذيب الكمال " (3/132) عند ترجمة السدي الكبير: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السُّدِّي، أبو محمد القرشي الكوفي الأعور، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة، وقيل: مولى بني هاشم، أصله من حجازي، سكن الكوفة، وكان يقعد في سُدةِ باب الجامع بالكوفة فسمي السُّدِّي، وهو السدي الكبير.ا.هـ.

ومما جاء في ترجمته:

 قال عبدان الأهوازي: كان إذا قعد غطى لحيته صدره. وقال محمد بن أبان الجُعفي، عن السدي: أدركت نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم: أبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وابن عمر. كانوا يرون أنه ليس أحدٌ منهم على الحال الذي فارق عليه محمداً صلى الله عليه وسلم، إلا عبد الله بن عمر.

أما السدي الصغير قال عند المزي أيضا (26/392): محمد بن مروان السدي الصغير، وهو محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكوفي، مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب.ا.هـ.

والسدي الصغير من الوضاعين الكذابين عند أهل السنة، وهو رافضي غال، وله ترجمة في كتب الرافضة مثل " الكنى والألقاب " للقمي (2/311 312) فقال في ترجمة السدي الكبير والصغير: أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي المفسر المعروفة أقواله في كتاب " التبيان " وغيره، كان نظير مجاهد وقتادة والكلبي والشعبي ومقاتل ممن يفسرون القرآن الكريم بآرائهم عده الشيخ ( يعني الطوسي ) في أصحاب السجاد والباقر، وعن ابن حجر أنه صدوق متهم رمي بالتشيع من الرابعة، وعن السيوطي أنه قال في الإتقان: أمثل التفاسير تفسير إسماعيل السدي، روى عنه الأئمة مثل الثوري وشعبة انتهى. حكي أنه أدرك أنس بن مالك ورأى الحسين بن علي، وقال الترمذي: وثقه سفيان الثوري وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم. توفي في حدود سنة 128، وهو السدي الكبير.

والسدي الصغير حفيده محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي، روى عن محمد بن السائب الكلبي كتاب التفسير ذكره الخطيب البغدادي وقال: قدم بغداد وحدث بها، وقال انه ضعيف متروك الحديث، والسدي بضم السين وتشديد الدال المهملتين منسوب إلى منسوب سدة مسجده الكوفة، وهي ما يبقى من الطاق المسدود.ا.هـ.

2-  الطبري

الطبري السني: الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)، المفسر والمؤرخ الكبير، ولد في آمل طبرستان، واستوطن ببغداد وتوفي بها في 310 هـ، له عدة مصنفات من أشهرها: " جامع البيان عن تأويل آي القرآن "، وقد أثنى على تفسيره كثير من العلماء منهم الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " (2/163) حيث قال: " لم يصنف أحد مثله ". وقال الخطيب أيضا (12/163) عن أبي حامد الإسفراييني: " لو سافر رجل إلى الصين في تحصيل تفسير ابن جرير لم يكن كثيرا ". وصنف أيضا " تهذيب الآثار "، و" تاريخ الرسل والملوك "، و" اختلاف الفقهاء "، وقد كان الإمام الطبري صاحب مذهب مستقل كالمذاهب الأربعة المعروفة، وله أنصار وأتباع، ودرس مذهبه في الفقه كثير من العلماء، ومن أشهرهم أبو الفرج المُعافي بن زكريا النهرواني المعروف بالجريري نسبة إلى مذهب أبي جعفر.

الطبري الرافضي: محمد بن جرير بن رستم الطبري، رافضي له كتب في الضلالة منها: "الرواة عن أهل البيت" و"المسترشد في الإمامة". وقد حصل خلط بينه وبين الإمام الطبري السني بسبب تشابه الأسماء.

فائدةٌ:

الإمام ابن جرير الطبري لم يتزوج ولم يكن له ولد يكنى به فقد حل ضيفا على الربيع بن سليمان في مصر عندما جاءه أصحاب الربيع في مكان سكناه وقالوا له: تحتاج قَصْرِيِّة وزير وعاء يعمل فيه الماء -، وحمارين، فقال لهم: أما القصرية فأنا لا ولد لي وما حللت سراويلي على حرام ولا حلال قط.

وترجم له أيضا في " السير " (14/282) فقال: " قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ الكتَّانِيّ: هُوَ مِنَ الرَّوَافض، صَنّف كتباً كَثِيْرَة فِي ضلاَلتهِم، لَهُ كِتَاب: " الرُّوَاة عَنْ أَهْلِ البَيْت "، وَكِتَاب: " المسترشد فِي الإِمَامَة ".ا.هـ.

وقد خلط بعض علماء التراجم بينه وبين طبري أهل السنة كما ذكر ذلك الحافظ الذهبي في " الميزان " (3/499) فقال عند ترجمة طبري أهل السنة: " أقذع أحمدُ بنُ علي السليماني الحافظَ فقال: " كان يضع للروافض، كذا قال السليماني، وهذا رجم بالظن الكاذب، بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام المعتمدين، وما ندعي عصمته عن الخطأ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى؛ فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يُتَأنى فيه، ولا سيما في مثل إمام كبير، فلعل السليماني أراد الآتي.ا.هـ.

والآتي هو محمد بن جرير بن رستم الرافضي:

وقال الحافظ ابن حجر في " اللسان " (5/115) عن أحد شيوخه ممن اغتر بكلام السليماني فقال: ولو حلفت أن السليماني ما أراد إلا الآتي يقصد محمد بن جرير بن رستم الرافضي لبررت... وقد اغتر شيخ شيوخنا أبو حيان بكلام السليماني فقال في الكلام على الصراط في أوائل تفسيره: وقال أبو جعفر الطبري وهو إمام أئمة الإمامية: الصراط بحرف الصاد من لغة قريش... إلى آخر المسألة، ونبهت عليه لئلا يغتر به، فقد ترجمه أي الإمام ابن جرير أئمة النقل في عصره وبعده، فلم يصفوه بذلك، وإنما ضره الاشتراك في اسمه واسم لقبه ونسبته وكنيته ومعاصرته وكثرة تصانيفه، والعلم عند الله تعالى، قاله الخطيب.ا.هـ.

وقد نسبت كتب إلى ابن جرير أهل السنة كتبا صنفها الروافض من ذلك كتاب " بشارة المصطفى "، وهو كتاب في منزلة التشيع، ودرجات الشيعة، وكرامات الأولياء كما ذكر ذلك سزكين في " تاريخ التراث العربي " (1/291)، والكتاب لأبي جعفر محمد بن علي الطبري ثالث من فقهاء الشيعة ترجم له أغابزرك الطهراني في " الذريعة إلى تصانيف الشيعة " (3/117).

والإمام ابن جرير قد ابتلي بتهمة الرفض لأسباب ذكرها الدكتور محمد أمحزون في كتاب " تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري والمحدثين " (1/187 201) فليرجع إليه فهو مبحث نفيس جدا.