الحمد لله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من أعظم القضايا العقدية التي شغلت علماء الإسلام منذ القرون الأولى مسألة صفات الله تعالى، وما يجب لله عز وجل من الكمال والتنزيه. وقد كان لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – دور بارز في توضيح منهج السلف الصالح في هذا الباب، حيث بيَّن أن الله سبحانه موصوف بصفات الكمال والجلال التي تليق به، دون أن تُشَبَّه بصفات المخلوقين أو تُلحَق بها لوازم النقص والافتقار.
وقد رد ابن تيمية في مؤلفاته – مثل العقيدة الحموية ومجموع الفتاوى ومنهاج السنة – على أهل التشبيه والتجسيم، وكذلك على أهل التعطيل، فأثبت لله ما أثبته لنفسه في كتابه وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وسوف نستعرض جملة من أقواله المضيئة التي تؤكد أن لازم صفات المخلوق لا يكون لازماً في صفات الخالق سبحانه، وأن الله عز وجل غنيٌّ عن العالمين، منزَّه عن الحصر والاحتياج، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]
| مقالات السقيفة ذات صلة | 
| 
			 رواية "وإنه لذكر لك ولقومك" بين القبول والرد لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف ولا تقرئوهنّ إياها شبهات حديث: "صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن"  | 
		
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ:
♦ القَولُ الفاصِلُ: هو ما عليه الأُمَّةُ الوُسط؛ من أنَّ اللهَ مُستَوٍ على عَرشِه استِواءً يَليقُ بجلالِه ويَختَصُّ به، فكما أنَّهُ مَوصوفٌ بأنَّهُ بكلِّ شيءٍ عليم، وعلى كلِّ شيءٍ قدير، وأنَّهُ سميعٌ بصير، ونحوَ ذلك. ولا يجوزُ أن يُثبَتَ للعلمِ والقُدرةِ خَصائِصُ الأعراضِ التي لعلمِ المَخلوقينَ وقدرتِهم، فكذلك هو سبحانه فوقَ العَرشِ، ولا يُثبَتُ لفَوقيتِه خَصائصُ فَوقيَّةِ المخلوقِ على المخلوقِ ولوازِمِها." اهـ
العقيدة الحموية – ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص 18
♦ وقال ايضا: " فَمَنْ قَالَ: إنَّ عِلْمَ اللَّهِ كَعِلْمِيِّ أَوْ قُدْرَتَهُ كَقُدْرَتِي أَوْ كَلَامَهُ مِثْلُ كَلَامِي أَوْ إرَادَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَرِضَاهُ وَغَضَبَهُ مِثْلُ إرَادَتِي وَمَحَبَّتِي وَرِضَائِي وَغَضَبِي أَوْ اسْتِوَاءَهُ عَلَى الْعَرْشِ كَاسْتِوَائِي أَوْ نُزُولَهُ كَنُزُولِي أَوْ إتْيَانَهُ كَإِتْيَانِي وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا قَدْ شَبَّهَ اللَّهَ وَمَثَّلَهُ بِخَلْقِهِ تَعَالَى اللَّه عَمَّا يَقُولُونَ وَهُوَ ضَالٌّ خَبِيثٌ مُبْطِلٌ بَلْ كَافِرٌ " اهـ
مجموع الفتاوى - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 11 ص 482
♦ وقال: " وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُكَفِّرُونَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ السَّمَوَاتِ تُقِلُّهُ أَوْ تُظِلُّهُ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ احْتِيَاجِهِ إلَى مَخْلُوقَاتِهِ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ فِي اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ مُحْتَاجٌ إلَى الْعَرْشِ كَاحْتِيَاجِ الْمَحْمُولِ إلَى حَامِلِهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ؟ لِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ حَيٌّ قَيُّومٌ هُوَ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ وَمَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إلَيْهِ " اهـ
مجموع الفتاوى - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 2 ص 188
♦ وقال: " فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى نَفْسَهُ بِأَسْمَاءٍ، وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ بِأَسْمَاءٍ، وَكَذَلِكَ سَمَّى صِفَاتِهِ بِأَسْمَاءٍ، وَسَمَّى بَعْضَهَا صِفَاتِ خَلْقِهِ، وَلَيْسَ الْمُسَمَّى كَالْمُسَمَّى " اهـ
منهاج السنة النبوية - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 2 ص 112
♦ وقال ايضا: " وَكَذَلِكَ مَدْلُولُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهَا الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ " اهـ
مجموع الفتاوى - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 3 ص 66
♦ وقال ايضا: " فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ تُحِيطَ بِهِ الْمَخْلُوقَاتُ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا: الْعَرْشِ أَوْ غَيْرِهِ. وَمَنْ ظَنَّ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّهُ إِذَا نَزَلَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا - كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ - يَكُونُ الْعَرْشُ فَوْقَهُ، وَيَكُونُ مَحْصُورًا بَيْنَ طَبَقَتَيْنِ مِنَ الْعَالَمِ، فَقَوْلُهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ " اهـ
منهاج السنة النبوية - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 2 ص 323 – 324
♦ وقال ايضا: " وَمَنْ جَعَلَ صِفَاتِ الْخَالِقِ مِثْلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ فَهُوَ الْمُشَبِّهُ الْمُبْطِلُ الْمَذْمُومُ " اهـ
منهاج السنة النبوية - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 2 ص 111
♦ وقال ايضا: " «وَاَلَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ مَا يَصِفُ بِهِ نَفْسَهُ. فَمَنْ وَصَفَهُ بِمِثْلِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ فَهُوَ مُخْطِئٌ قَطْعًا كَمَنْ قَالَ إنَّهُ يَنْزِلُ فَيَتَحَرَّكُ وَيَنْتَقِلُ كَمَا يَنْزِلُ الْإِنْسَانُ مِنْ السَّطْحِ إلَى أَسْفَلِ الدَّارِ كَقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ؛ فَيَكُونُ نُزُولُهُ تَفْرِيغًا لِمَكَانِ وَشَغْلًا لِآخَرَ؛ فَهَذَا بَاطِلٌ يَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ " اهـ
مجموع الفتاوى - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 5 ص 578