من أبرز الأحاديث التي يستغلها الشيعة للطعن في الصحابة رضي الله عنهم ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما في حادثة رزية الخميس، حيث طلب النبي ﷺ في مرض وفاته أن يُؤتى بكتاب ليكتب للمسلمين ما يهديهم بعده، فوقع خلاف بين الحاضرين: فمنهم من قال "قربوا يكتب لكم النبي ﷺ كتابًا لن تضلوا بعده"، ومنهم من قال "حسبنا كتاب الله"، حتى كثر اللغط واشتد الاختلاف، فقال النبي ﷺ: «قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع». وقد صرح ابن عباس بأن الرزية العظمى كانت ما حال بين النبي ﷺ وبين كتابة هذا الكتاب بسبب اختلافهم.
هذا النص الصحيح يحمل دلالة مهمة، وهي أن المانع لم يكن امتناع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو غيره من إحضار الكتف والدواة، وإنما كان كثرة التنازع والاختصام بين الحاضرين، وهو أمر شائع في حياة الناس، وقد وقع مثله في مواقف أخرى، منها ما رواه البخاري في قصة رفع تعيين ليلة القدر حين تلاحى رجلان، فكان التنازع سببًا في رفع معرفة الليلة، لكن النبي ﷺ بين أن في ذلك خيرًا للأمة، لتجتهد في العبادة في ليالٍ عدة.
من هنا، فإن حادثة رزية الخميس لا تصلح أن تكون مطعنًا في الصحابة، بل هي شاهد على أن التنازع قد يحرم الأمة من بعض الخيرات، وأن الله لحكمته قد يبدلها بخير وأوسع نفعًا، كما وقع في رفع تحديد ليلة القدر.
في الصحيحين:
" 5669 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي البَيْتِ رِجَالٌ، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ القُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَيْتِ فَاخْتَصَمُوا، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلاَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا» قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الكِتَابَ، مِنَ اخْتِلاَفِهِمْ وَلَغَطِهِمْ»
"صحيح بخاري - بَابُ قَوْلِ المَرِيضِ قُومُوا عَنِّي– ج 7 ص 120، وصحيح مسلم - بَابُ تَرْكِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ - ج 3 ص 1259
نأخذ من هذا النص إلزام مهم جدا:
مقالات السقيفة ذات صلة: |
- خرافة خروج القائم في آخر الزمان |
الا وهو ((فَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَيْتِ َاخْتَصَمُوا)) والامامية دائما يقولون بان اهل البيت هم اصحاب الكساء، فهل يجوز اختلاف اهل البيت في الامتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم؟!!!.
♦ لقد بين ابن عباس رضي الله عنه في هذه الرواية ان الذي حال بين رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وبين ان يكتب لهم الكتاب هو كثرة الاختلاف، واللغط الذي حدث بين الموجودين، وقد جاءت رواية عند الامام البخاري تبين وتوضح ان تنازع الموجودين هو السبب الحقيقي لعدم كتابة الكتاب
قال الامام البخاري:
" 114 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا. فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ، قَالَ: «قُومُوا عَنِّي، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ» فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ، مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كِتَابِهِ»
649 - صحيح بخاري - كتاب العلم باب كتابة العلم – ج 1 ص 34.
ولقد وقع التنازع عندما اراد النبي صلى الله عليه واله وسلم اخبار الصحابة بتعيين ليلة القدر، وكان أثر هذا التنازع رفع تعيين ليلة القدر لا أكثر، بل كان فيه الخير للامة كما أخبر النبي صلى الله عليه واله وسلم، بالتماس هذه الليلة المباركة فيكثر العبد من العبادة في أكثر من ليلة واحد.
قال الامام البخاري:
" 2023 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ، وَالسَّابِعَةِ، وَالخَامِسَةِ»»
" صحيح البخاري - بَابُ رَفْعِ مَعْرِفَةِ لَيْلَةِ القَدْرِ لِتَلاَحِي النَّاسِ – ج 3 ص 47