ما لك لا تقوم مع أصحاب النبي (قول علي)

فقال أنس أصابتني دعوة العبد الصالح

من القضايا التي يثيرها بعض الغلاة رواية منسوبة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه تتعلق بعدم قيام أنس بن مالك يوم مناشدة الغدير، وزعم أن دعوة الإمام أصابته بالبرص. وقد اعتمد عبد الحسين الموسوي في كتابه المراجعات على هذه القصة لإثبات دعاوى معينة، غير أن التحقيق العلمي يظهر أن هذه الرواية لا أصل لها أو أن إسنادها ضعيف جداً ومعلول، وفيها رواة مجاهيل أو متروكون. كما أن بعض النصوص التي نسبها إلى الإمام أحمد ليست من رواية المسند الأصلية، بل مما أضافه ابنه عبد الله، وهو ما نبه عليه النقاد. هذا المقال يستعرض أصل الرواية، ويناقش أسانيدها، ويبين موقف أهل الحديث منها، مع الرد على ما نسبه بعض الكتّاب من تزييف وتدليس.

الرواية:

حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كيسان حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي حدثنا مسعر بن كدام، عن طلحة بن مصرف عن عميرة بن سعد قال: «شهدت علياً على المنبر ناشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أبو سعيد وأبو هريرة وأنس بن مالك وهم حول المنبر، وعلى على المنبر، وحول المنبر اثنا عشر رجلاً هؤلاء منهم، فقال على: نشدتكم بالله هل سمعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلى مولاه؟

 فقاموا كلهم فقالوا: اللهم نعم، وقعد رجل فقال: ما منعك أن تقوم؟ قال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت، فقال: اللهم إن كان كاذباً فاضربه ببلاء حسن، قال: فلما مات رأينا بين عينيه نكتة بيضاء لا تواريها العمامة)

وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي ضعيف. ضعفه الأكثرون ووثقه بعضهم.

(ميزان الاعتدال1/239 تهذيب التهذيب1/320).

وفيه أحمد بن إبراهيم بن كيسان «ليس بالقوي»

(طبقات المحدثين بأصبهان3/341). وعده صاحب الطبقات من المختلطين.

زعم الرافضي عبد الحسين أن عليا قال:

 ذلك لأنس بن مالك «ما لك لا تقوم مع أصحاب رسول الله r فتشهد بما سمعته يومئذ؟ فقال: يا أمير المؤمنين كبرت سني ونسيت. فقال علي: إن كنت كاذبا فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة. فما قام حتى ابيض وجهه برصا. فكان بعد ذلك يقول: أصابتني دعوة العبد الصالح».

كذبة أخرى:

 قال عبد الحسين الموسوي بأن هذه الرواية جعلها ابن قتيبة من مناقب أنس.

 لكن الكذاب كتم قول ابن قتيبة عن الرواية «لا أصل لها»

(المعارف ص1/130). مما يسقط الموسوي هذا من الأمانة ويدرجه مع الكذابين.

رواه الكذاب في (المراجعات ص463) عن شيخه إبليس. ولم أجده في مصدر من مصادر السنة ولا حتى الشيعة. ونقبت عنه في المعجم الفقهي الشيعي الالكتروني المتضمن لآلاف الكتب الرافضية فلم أجد هذه الرواية إلا في كتابه الذي أحرى أن يسمى (المزورات) بدل (المراجعات).

قال عبد الحسين الموسوي:

 «ويشهد لها أي هذه الرواية ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/119) حيث قال «فقاموا إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته.

قلت: وبالطبع لم يورد الرواية بإسنادها حتى لا ينكشف كذبه.

 وهاكم السند:

حدثنا عبد الله ثنا أحمد بن عمر الوكيعي ثنا زيد بن الحباب ثنا الوليد بن عقبة بن نزار العنسي حدثني سماك بن عبيد بن الوليد العبسي قال دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدثني انه شهد عليا رضي الله عنه في الرحبة قال: «أنشد الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهده يوم غدير خم الا قام ولا يقوم الا من قد رآه فقام اثنا عشر رجلا فقالوا قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته».

أولا: بداية الإسناد تبين أن هذا من رواية عبد الله بن الإمام أحمد عن أحمد بن عمر الوكيعي. وهذا من جملة ما أدخله ولد الإمام أحمد على مسند أبيه.

قال الألباني: «وهذه رواية شيعية تقطر فرية وإثماً! فقول الرافضي «ويشهد لها ما أخرجه الإمام أحمد في آخر (المسند1/119).

كذب وخيانة علمية. فإنه لا علاقة للإمام أحمد بما أضافه ولده عبد الله في مسنده.

 والجواب من وجوه:

الأول: أن عزوها للإمام أحمد خطأ سببه الجهل بكتب السنة؛ فإن الشيعي يظن أن كل ما في مسند أحمد هو من روايته، وليس الأمر كذلك عند أهل العلم، وإنما هي من رواية ابنه عبدالله عن غير أبيه؛ فقد قال عبدالله في مسند أبيه وفي المكان الذي أشار إليه الشيعي: حدثنا أحمد ابن عمر الوكيعي: حدثنا زيد بن الحباب: حدثنا الوليد بن عقبة بن نزار العنسي: حدثني سماك بن عبيد بن الوليد العنسي قال: دخلت على عبدالرحمن بن أبي ليلى فحدثني أنه شهد علياً رضي الله عنه في الرحبة قال: أنشد الله... لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته.

الثاني: أن الاحتجاج بهذه الزيادة التي في آخر هذه الرواية؛ إنما يجوز إذا كان إسنادها ثابتاً؛ وهيهات، هيهات؛ فإن فيه كما رأيت الوليد بن عقبة بن نزار العنسي؛ وهو مجهول كما قال الحافظ.

قال الحافظ «مجهول» (تقريب التهذيب1/583 لسان الميزان7/426). وقال الذهبي «لا يعرف».

وقد خالفه يزيد بن أبي زياد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى به دون هذه الزيادة.

وخالفه كل من روى قصة المناشدة هذه عن علي رضي الله عنه وهم جمع من التابعين: عند أحمد (1/84،118،119)

والنسائي (ص16،17،18،29) وابن عساكر (12/ 110/ 2-113/1) كل هؤلاء لم يذكروا الزيادة المتضمنة للاستثناء.

هب أن الاستثناء المشار إليه ثابت في القصة؛ فليس فيه تسمية الثلاثة الذين لم يقوموا؛ فأصابتهم دعوة علي رضي الله عنه فضلاً أن يكون قد سمي منهم أنس بن مالك رضي الله عنه. ثم هب أنهم سموا، فليس فيه تعيين ما أصابهم من دعوته. ومن البدهي أنه يجوز تعيين الاسم والدعوة بمثل تلك الرواية الشيعية الجائرة؛ لأنها بمنزلة الرواية الإسرائيلية التي يراد تفسير النص الشرعي الثابت بها! وهذا باطل لا يخفى» انتهى.

فائدة:

 لو صحت الرواية لقلنا: الحق ليس مع علي في دعوته فإنه قصر وفرط ولم يكتب الوصية التي أراد النبي أن يكتبها فيما تسمونه برزية الخميس. وهو قد بايع أبا بكر كما اعترف به الشيعة. فهو مستوجب للعقوبة.

فقد قال الشيخ محمد حسن آل كاشف الغطاء «لمّا رأى عليٌّ أن أبا بكر وعمر بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجيوش وتوسيع الفتوح ولم يستأثروا ولم يستبدّوا: بايع وسالم»

(أصل الشيعة وأصولها 91 وانظر كتاب الجمل للمؤلف ضامر بن شدقم المدني ص93).

قاله في كتابه الذي صرح في مقدمته بان عليه إجماع الشيعة ومشايخها.

 فقد قال ما نصه:

«رأينا أن نكتب موجزاً من القول عن معتقدات الشِّيعة واُصول مذهبها، وأمهات مسائل فروعها التي عليها إجماع علمائها، والَّذي يصح أنْ يقال أنَّه مذهب الشِّيعة على إطلاقها، أمّا ما عداه فهو رأي الفرد أو الأفراد منها، ومثله لا يصح أنْ يُعد مذهباً لها»

(أصل الشيعة وأصولها ص28).

قال ابن عدي حدث عن مسعر وسفيان بأحاديث لا يتابع عليها، وروى عنه أسيد بن عاصم، والقاسم بن نصر، وعبد الله بن محمد بن سلام، ثم ساق له ابن عدي أحاديث، فقال: هذه مع سائر رواياته التي لم أذكرها، عامتها مما لا يتابع عليه، وهو ضعيف 

وقد ضعفه الدارقطني ايضا وجمع من اهل العلم